﴿ألم يأتكم﴾ يا بني اسرائيل ﴿نبأ﴾، أي: خبر ﴿الذين من قبلكم قوم نوح﴾ وكانوا ملء الأرض ﴿و﴾ نبأ ﴿عاد﴾ قوم هود وكانوا أشد الناس أبداناً ﴿و﴾ نبأ ﴿ثمود﴾ قوم صالح وكانوا أقوى الناس على نحت الصخور وبناء القصور يحتمل أن يكون من كلام موسى، أو كلام مبتدأ من الله تعالى لقوم محمد ﷺ وهو استفهام تقرير وقوله تعالى: ﴿والذين من بعدهم﴾، أي: بعد هؤلاء الأمم الثلاثة ﴿لايعلمهم إلا الله﴾ فيه قولان؛ الأول أن يكون المراد لا يعلم كنه مقاديرهم إلا الله تعالى؛ لأن المذكور في القرآن جملة، فأما ذكر العدد والعمر والكيفية والكمية فغير حاصل، والقول الثاني: إنّ المراد ذكر أقوام ما بلغنا أخبارهم أصلاً كذبوا رسلاً لم نعرفهم أصلاً ولا يعلمهم إلا الله، ولذلك كان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال: كذب النسابون يعني أنهم يدّعون علم الأنساب إلى آدم عليه السلام، وقد نفى الله علمها عن العباد. وعن ابن عباس أنه قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أباً لا يعرفون، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وقروناً بين ذلك كثيراً وكلاً ضربنا له الأمثال وكلاً تبرنا تتبيراً﴾ (الفرقان: ٣٨، ٣٩) وقوله تعالى: ﴿منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك﴾ (غافر، ٧٨). وعنه ﷺ أنه كان في انتسابه لا يجاوز معدّ بن عدنان بن أدر وقال: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم وتعلموا من النجوم ما تستدلون به على الطريق». قال الرازي: والقول الثاني أقرب. ولما ﴿جاءتهم﴾، أي: هؤلاء الأقوام الذين تقدم ذكرهم ﴿رسلهم بالبينات﴾، أي: الدلائل الواضحات والمعجزات الباهرات أتوا بأمور أوّلها ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله تعالى:﴿فردّوا﴾، أي: الأمم ﴿أيديهم في أفواههم﴾ وفي ذلك احتمالات: الأول: أن الكفار ردّوا أيديهم في أفواههم فعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل كقوله تعالى: ﴿عضوا عليكم الأنامل من الغيظ﴾ (آل عمران، ١١٩).
(٣/٤١٠)
---