إلى ما كنتم عليه قبل ادعاء الرسالة من السكوت عند ذكر معايبه وعدم التعرّض له بالطعن والقدح. ولما ذكر الكفار هذا الكلام قال تعالى: ﴿فأوحى إليهم﴾، أي: الرسل ﴿ربهم﴾ وقوله تعالى: ﴿لنهلكنّ الظالمين﴾، أي: الكافرين حكاية تقتضي إضمار القول أو أجرى الايحاء مجرى القول؛ لأنه ضرب منه.
﴿ولنسكننكم الأرض﴾، أي: أرضهم ﴿من بعدهم﴾، أي: بعد هلاكهم ونظيره قوله تعالى: ﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها﴾ (الأعراف، ١٣٧)
وقوله تعالى: ﴿وأورثكم أرضهم وديارهم﴾ (الأحزاب، ٢٧)
. قال الزمخشري: وعن النبيّ ﷺ «من آذى جاره ورثه الله داره». قال: ولقد عاينت هذا في مدّة قريبة كان لي خال يظلمه عظيم القرية التي أنا فيها ويؤذيني فيه فمات ذلك العظيم، وملكني الله ضيعته، فنظرت يوماً إلى أبناء خالي يتردّدون، منها ويأمرون وينهون فذكرت قول رسول الله ﷺ وحدثتهم به وسجدنا شكراً لله تعالى. ﴿ذلك﴾، أي: النصر وإيراث الأرض ﴿لمن خاف مقامي﴾، أي: موقفي وهو موقف الحساب؛ لأنّ ذلك الموقف موقف الله الذي يوقف فيه عباده يوم القيامة ونظيره ﴿وأمّا من خاف مقام ربه﴾ (النازعات، ٤٠)
وقوله تعالى: ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ (الرخمن، ٤٦)
وقيل: ﴿ذلك لمن خاف مقامي﴾ (إبراهيم، ١٤)، أي: خافني، فالمقام مقحم مثل ما يقال: سلام على المجلس العالي والمراد السلام على فلان ﴿وخاف وعيد﴾ قال ابن عباس: ما أوعدت من العذاب، وهذا يدل على أنّ الخوف من الله غير الخوف من وعيده؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة، وفي تفسير قوله تعالى:
﴿واستفتحوا﴾ قولان: أحدهما: طلب الفتح، أي: واستنصروا الله تعالى على أعدائهم وهو كقوله تعالى: ﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح﴾ (الأنفال، ١٩)
(٣/٤١٦)
---