ومعنى الآية على هذا: أن الكافر بعد الخيبة يدخل جهنم.
الأمر الثاني: ما ذكره تعالى بقوله: ﴿ويسقى﴾، أي: في جهنم ﴿من ماء صديد﴾ وهو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطاً بالقيح والدم جعل ذلك شراب أهل النار. وقال محمد بن كعب: هو ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر. فإن قيل: علام عطف ﴿ويسقى﴾؟ أجيب: بأنه عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى من ماء صديد.
﴿يتجرّعه﴾، أي: يتكلف أن يبتلعه مرّة بعد مرّة لمرارته وحرارته ونتنه ﴿ولا يكاد يسيغه﴾، أي: ولا يقدر على ابتلاعه. قال الزمخشري: دخل كاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة؟ كقوله تعالى: ﴿لم يكد يراها﴾ (النو، ٤٠)، أي: لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها؟ فإن قيل: كيف الجمع على هذا الوجه بين ﴿يتجرّعه﴾ و﴿لا يكاد يسيغه﴾؟ أجيب بجوابين: أحدهما: أنّ المعنى ولا يسيغ جميعه كأنه يتجرّع البعض وما أساغ الجميع. والثاني: إنّ الدليل الذي ذكر إنما دل على وصول ذلك الشراب إلى جوف ذلك الكافر؛ لأنّ ذلك ليس بإساغة؛ لأنّ الإساغة في اللغة إجراء الشراب في الحلق واستطابة المشروب، والكافر يتجرّع ذلك الشراب على كراهية ولا يسيغه، أي: لا يستطيبه ولا يشربه شرباً بمرة واحدة، وعلى هذين الوجهين يصح حمل لا يكاد على نفي المقاربة.
الأمر الثالث: ما ذكره تعالى بقوله تعالى: ﴿ويأتيه الموت﴾، أي: أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب ﴿من كل مكان﴾، أي: من سائر الجهات، وقيل: من كل مكان من جسده حتى أصول شعره وإبهام رجله. ﴿وما هو بميت﴾ فيستريح. وقال ابن جريج: تتعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكان من جوفه فتنفعه الحياة.
(٣/٤١٨)
---


الصفحة التالية
Icon