﴿مثل﴾، أي: صفة ﴿الذين كفروا بربهم أعمالهم﴾، أي: الصالحة كصدقة وصلة رحم وفك أسير، وإقراء ضيف، وبر والد في عدم الانتفاع بها ﴿كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف﴾، أي: شديد هبوب الريح، فجعلته هباء منثوراً لا يقدر عليه كما قال تعالى: ﴿لا يقدرون﴾، أي: الكفار يوم الجزاء ﴿مما كسبوا﴾، أي: عملوا في الدنيا ﴿على شيء﴾، أي: لا يجدون لهم ثواباً لفقد شرطه وهو الإيمان. وقرأ نافع (الرياح) بالجمع، والباقون بالإفراد. ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون ﴿هو الضلال البعيد﴾، أي: الخسران الكبير لأنّ أعمالهم ضلت وهلكت فلا يرجى عودها.
تنبيه: في ارتفاع قوله تعالى: ﴿مثل﴾ أوجه: أحدها: وهو مذهب سيبويه أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، وتكون الجملة من قوله تعالى: ﴿أعمالهم كرماد﴾ مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم؟ فقيل أعمالهم كرماد.
والثاني: وهو مذهب الفراء التقدير: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد، فحذف المضاف اعتماداً على ذكره بعد المضاف إليه، وهو قوله تعالى: ﴿أعمالهم﴾ ومثله قوله تعالى: ﴿ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة﴾ (الزمر، ٦٠)
المعنى: ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودّة.
الثالث: أن يكون التقدير: صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد كقوله: صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول.
الرابع: أن تكون أعمالهم بدلاً من قوله: ﴿مثل الذين كفروا﴾، والتقدير مثل أعمالهم وقوله تعالى: ﴿كرماد﴾ هو الخبر. وقيل: غير ذلك. وقوله تعالى:
(٣/٤٢٠)
---