ثم قال: ﴿ربنا ليقيموا الصلاة﴾ اللام لام كي متعلقة بأسكنت، أي: ما أسكنتهم بهذا الوادي المقفر الذي لا شيء فيه إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرّم، ويعمروه بذكرك وعبادتك وما تعمر به مساجدك ومتعبداتك متبرّكين بالبقعة التي شرفتها على البقاع مستعبدين بجوارك الكريم متقرّبين إليك بالعكوف عند بيتك والطواف به والركوع والسجود حوله مستنزلين الرحمة التي آثرت بها سكان حرمك، وتكرير النداء وتوسطه للإشعار بأنهما المقصود بالذات من إسكانهم هناك، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها ﴿فاجعل أفئدة﴾، أي: قلوباً محترقة بالأشواق ﴿من الناس﴾ ومن للتبعيض، والمعنى: واجعل أفئدة بعض الناس ﴿تهوي﴾، أي: تميل ﴿إليهم﴾ ويدلّ عليه ما روي عن مجاهد لو قال: أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند. وقال سعيد بن جبير: لو قال أفئدة الناس لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال: ﴿أفئدة من الناس﴾ فهم المسلمون. وقال ابن عباس: لو قال: أفئدة الناس لحنت إليه فارس والروم والناس كلهم. ولما دعا لهم بالدين دعا لهم بالرزق فقال: ﴿وارزقهم من الثمرات﴾ ولم يقل: وارزقهم الثمرات، وذلك يدل على أنّ المطلوب بالدعاء إيصال بعض الثمرات إليهم، ويحتمل أن يكون المراد بإيصال بعض الثمرات إليهم إيصالها إليهم على سبيل التجارات كما قال تعالى: ﴿يجبى إليه ثمرات كل شيء﴾ (القصص، ٥٧)
(٣/٤٤٤)
---