﴿وأنذر الناس﴾ يا محمد، أي: خوّفهم يوم القيامة وهو قوله تعالى: ﴿يوم يأتيهم العذاب﴾، أي: الذي تقدّم ذكره، وهو شخوص أبصارهم وكونهم مهطعين مقنعي رؤوسهم. ﴿فيقول الذين ظلموا﴾، أي: كفروا ﴿ربنا أخرنا﴾، أي: بأن تردّنا إلى الدنيا ﴿إلى أجل قريب﴾ إلى أمد واحد من الزمان قريب ﴿نجب دعوتك﴾، أي: بالتوحيد ونتدارك ما فرّطنا فيه ﴿ونتبع الرسل﴾ فيما يدعوننا إليه، فيقال لهم توبيخاً: ﴿أو لم تكونوا أقسمتم﴾، أي: حلفتم ﴿من قبل﴾ في الدنيا ﴿ما لكم﴾ وأكد النفي بقوله: ﴿من زوال﴾، أي: ما لكم عنها انتقال ولا بعث ولا نشور كما قال في آية أخرى: ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت﴾ (النمل، ٣٨)
(٣/٤٥٠)
---
وكانوا يقولون: لا زوال لنا من هذه الحياة إلى حياة أخرى، ومن هذه الدار إلى دار المجازاة، لا أنهم كانوا ينكرون أن يزولوا عن حياة إلى موت، أو عن شباب إلى هرم، أو عن غنى إلى فقر، ثم إنه تعالى زادهم توبيخاً آخر بقوله تعالى:
﴿وسكنتم﴾ في الدنيا ﴿في مساكن الذين ظلموا أنفسهم﴾ بالكفر من الأمم السابقة ﴿وتبين لكم كيف فعلنا بهم﴾، أي: وظهر لكم بما تشاهدون في منازلهم من آثار ما نزل بهم، وما تواتر عندكم من أخبارهم ﴿وضربنا﴾، أي: وبينا ﴿لكم الأمثال﴾ في القرآن أنّ عاقبتهم عادت إلى الوبال والخزي والنكال، مما يعلم به أنه قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء، وقادر على التعذيب المؤجل كما يفعل الهلاك المعجل، وذلك في كتاب الله تعالى كثير. ولما ذكر تعالى صفة عقابهم أتبعه بذكر كيفية مكرهم بقوله تعالى: