(٣/٤٥٤)
---
جهنم والسموات الجنة، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿كلا إنّ كتاب الأبرار لفي عليين﴾ (المصطففين، ١٨)
. وقوله تعالى: ﴿كلا إنّ كتاب الفجار لفي سجين﴾ (المصطففين، ٧)
. ﴿وبرزوا﴾، أي: خرجوا من قبورهم ﴿لله﴾، أي: لحكمه والوقوف بين يديه تعالى للحساب ﴿الواحد﴾، أي: الذي لا شريك له ﴿القهار﴾، أي: الذي لا يدافعه شيء عن مراده كما قال تعالى: ﴿لمن الملك اليوم لله الواحد القهار﴾ (غافر، ١٦)
. ولما وصف نفسه سبحانه وتعالى بكونه قهاراً بين عجزهم وذلتهم بقوله تعالى:
﴿وترى﴾ يا محمد، أي: تبصر ﴿المجرمين﴾، أي: الكافرين ﴿يومئذٍ﴾، أي: يوم القيامة، ثم ذكر تعالى من صفات عجزهم وذلتهم أموراً: الصفة الأولى: قوله تعالى: ﴿مقرّنين﴾، أي: مشدودين ﴿في الأصفاد﴾ جمع صفد وهو القيد. قال الكلبي: كل كافر مع شيطان في غل. وقال عطاء: وهو معنى قوله تعالى: ﴿وإذا النفوس زوجت﴾ (التكوير، ٧)، أي: قرنت فتقرن نفوس المؤمنين الحور العين، ونفوس الكافرين بقرنائهم من الشياطين، وقيل: هو قرن بعض، الكفار ببعض فتضم تلك النفوس الشقية والأرواح الكدرة الظلمانية بعضها إلى بعض لكونها متشاكلة متجانسة، وتنادى ظلمة كل واحدة منها إلى الأخرى. وقال ابن زيد: قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال.
الصفة الثانية: قوله تعالى: ﴿سرابيلهم﴾، أي: قمصهم جمع سربال وهو القميص ﴿من قطران﴾ وهو شيء يتحالب من شجر يسمى الأبهل، فيطبخ وتطلى به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحرارته وحدته، وقد تصل حرارته إلى داخل الجوف، ومن شأنه أنه يتسارع فيه اشتعال النار، وهو أسود اللون منتن الريح، فتطلى به جلود أهل النار حتى يصير ذلك الطلاء كالسرابيل، فيحصل بسببها أربعة أنواع من العذاب: لذع القطران، وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح، وأيضاً التفاوت بين قطران القيامة وقطران الدنيا كالتفاوت بين النارين.
(٣/٤٥٥)
---