﴿ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب﴾ وقوله تعالى: ﴿ولا المشركين﴾ أي: من العرب عطف على أهل الكتاب ومن للبيان؛ لأنّ الذين كفروا جنس تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون كقوله تعالى: ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين﴾ (البينة، ١) والمودّة محبة الشيء مع تمنيه ولذلك تستعمل في كل منهما ﴿أن ينزل عليكم من خير من ربكم﴾ فسر الخير بالوحي والمعنى أنهم يحسدونكم به وما يحبون أن ينزل عليكم من شيء منه وفسر بالعلم والنصرة والمراد به ما يعمّ ذلك كما قاله البيضاويّ: ومن الأولى مزيدة للاستغراق ومن الثانية لابتداء الغاية ﴿وا يختص برحمته﴾ أي: بنبوّته كما قاله عليّ رضي الله تعالى عنه ومجاهد، أو بالإسلام كما قاله ابن عباس ومقاتل ﴿من يشاء﴾ ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة ولا يجب عليه شيء وليس لأحد عليه حق ﴿وا ذو الفضل﴾ وهو ابتداء إحسانه بلا علة وقوله تعالى: ﴿العظيم﴾ فيه إشعار بأن إتيان النبوّة والاسلام من الفضل العظيم ويدل للأوّل قوله تعالى: ﴿إنّ فضله كان عليك كبيراً﴾ (الإسراء، ٨٧). ولما طعن الكفار في النسخ وقالوا: إنّ محمداً يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ما يقوله إلا من تلقاء نفسه يقول اليوم قولاً ويرجع عنه غداً كما أخبر الله تعالى بقوله: ﴿وإذا بدّلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر﴾ (النحل، ١٠١).
(١/١٩٠)
---
﴿ما ننسخ من آية﴾ فبين وجه الحكمة في النسخ بهذه الآية والنسخ في اللغة شيئان، أحدهما: بمعنى التحويل والنقل ومنه نسخ الكتاب وهو أن يحوّل من كتاب إلى كتاب فعلى هذا الوجه كل القرآن منسوخ؛ لأنه نسخ من اللوح المحفوظ، والثاني: بمعنى الرفع يقال: نسخت الشمس الظل أي: ذهبت به وأبطلته فعلى هذا يكون بعض القرآن ناسخاً وبعضه منسوخاً وهو المراد من الآية وهذا على وجوه:
(١/١٩١)
---


الصفحة التالية
Icon