﴿ولقد علمنا المستقدمين منكم﴾ وهو من قضينا بموته أولاً من لدن آدم فيكون في موته كأنه يسارع إلى التقدّم إليه وإن كان هو وكل من أهله مجتهداً بالعلاج في تأخيره ﴿ولقد علمنا المستأخرين﴾، أي: الذين نمدّ في أعمارهم فنؤخر موتهم حتى يكونوا كأنهم يسابقون إلى ذلك وإن عالجوا الموت بشرب سم أو نحوه أو عالجه لهم غيرهم بضربهم بسيف أو غيره فعرف من ذلك قطعاً أن الفاعل واحد مختار. وقال ابن عباس: أراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الأحياءز وقال عكرمة: المستقدمين من خلق الله تعالى والمستأخرين من لم يخلق. وقال الحسن: المستقدمين في الطاعة والخير والمستأخرين المستبطؤون عنه. وقيل: المستقدمين من القرون الأولى والمستأخرين أمّة محمد ﷺ وقيل: المستقدمين في الصفوف والمستأخرين فيها وذلك أنّ النساء كنّ يخرجن إلى الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان في الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى آخر صف الرجال ومن النساء من في قلبها ريبة فتتقدم إلى أوّل صف النساء لتقرب من الرجال فقال النبيّ ﷺ «خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها». تنبيه: في سبب نزول هذه الآية قولان أحدهما: أنّ امرأة حسناء كانت تصلي خلف النبيّ ﷺ فكان بعضهم يستقدم حتى يكون في أوّل صف حتى لا يراها ويتأخر بعضهم حتى يكون آخر صف، فإذا ركع نظر من تحت إبطه فنزلت. والثاني: أنّ النبيّ ﷺ حرّض على الصف الأوّل فازدحموا عليه، وقال قوم بيوتهم قاصية عن المسجد لنبيعنّ دورنا ولنشترين دوراً قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم فنزلت.
(٣/٤٧٦)
---