﴿وإذ﴾، أي: واذكر يا أشرف الخلق قول ربك عز وجل إذ ﴿قال ربك﴾، أي: المحسن إليك بتشريف أبيك آدم عليه السلام لتشريفك ﴿للملائكة إني خالق بشراً﴾، أي: حيواناً كثيفاً يباشر ويلاقي والملائكة والجن لا يباشرون للطف أجسامهم عن أبشار البشر والبشرة ظاهر الجلد من كل حيوان وقوله تعالى: ﴿من صلصال من حمأ مسنون﴾ تقدّم تفسيره.
﴿فإذا سويته﴾، أي: عدّلته وأتممته وهيأته لنفخ الروح فيه بالفعل ﴿ونفخت فيه من روحي﴾، أي: خلقت الحياة فيه وليس ثم نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل وأضاف الروح إليه تشريفاً كما يقال: بيت الله وهو ما يصير به الروح عالماً وأشرف منه ما يصير به العالم عاملاً خاشعاً وسيأتي الكلام على الروح إن شاء الله تعالى في سورة سبحان عند قوله تعالى: ﴿ويسألونك عن الروح﴾ (الإسراء، ٨٥)
. ﴿فقعوا﴾، أي: أسقطوا ﴿له﴾ تعظيماً حال كونكم ﴿ساجدين﴾ وتقدّم في سورة البقرة الكلام على من المخاطب بالسجود وهل هو كل الملائكة أو ملائكة السموات أو ملائكة الأرض وهل هو سجود انحناء أو غيره.
﴿فسجد الملائكة﴾ وقوله تعالى: ﴿كلهم أجمعون﴾ قال سيبويه: تأكيد بعد تأكيد. وسئل المبرد عن ذلك فقال: لو قال ﴿فسجد الملائكة﴾ احتمل أن يكون سجد بعضهم فلما قال: ﴿كلهم﴾ زال هذا الاحتمال فظهر أنهم بأسرهم سجدوا ثم عند هذا بقي احتمال وهو أنهم سجدوا دفعة واحدة أو سجد كل واحد في وقت آخر، فلما قال: ﴿أجمعون﴾ ظهر أنّ الكل سجدوا دفعة واحدة. قال الزجاج: وقول سيبويه أجود لأنّ أجمعين معرفة فلا يكون حالاً وقوله تعالى:
﴿إلا إبليس﴾ أجمعوا على أنّ إبليس كان مأموراً بالسجود لآدم واختلفوا في أنه هل كان من الملائكة أم لا وقد سبقت هذه المسألة على الاستقصاء في سورة البقرة وقوله تعالى: ﴿أبى أن يكون مع الساجدين﴾ أي: لآدم استئناف تقديره إنّ قائلاً قال: هل سجد فقيل أبى ذلك واستكبر عنه.
(٣/٤٨٠)
---