﴿قال﴾ الله تعالى له ﴿فاخرج منها﴾ أي: من الجنة وقيل: من السموات وقيل: من زمرة الملائكة وقد تقدّم الكلام على ذلك أيضاً في سورة الأعراف. ﴿فإنك رجيم﴾ أي: مطرود من الخير والكرامة فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان رجيم بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته.
﴿وإن عليك اللعنة﴾ أي: هذا الطرد والإبعاد ﴿إلى يوم الدين﴾ قال ابن عباس: يريد يوم الجزاء حيث يجازى العباد بأعمالهم مثل قوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾ (الفاتحة، ٣)
. فإن قيل: كلمة إلى تفيد حصر انتهاء الغاية فهذا يفيد أنّ اللعنة لا تحصل إلا إلى يوم الدين وعند القيامة يزول اللعن؟ أجيب: بجوابين الأوّل: أنّ المراد التأبيد وذكر القيامة أبعد غاية ذكرها الناس في كلامهم كقوله تعالى: ﴿ما دامت السموات والأرض﴾ (هود، ١٠٧)
في التأبيد والثاني: أنه مذموم مدعو عليه باللعن في السموات والأرض إلى يوم القيامة من غير أن يعذب فإذا جاء اليوم عذب عذاباً يقترن اللعن معه فيصير اللعن حينئذٍ كالزائل بسبب أنّ شدّة العذاب تذهل عنه. ولما جعله رجيماً ملعوناً إلى يوم القيامة فكأنَّ قائلاً يقول فماذا قال؟ فقيل:
﴿قال رب﴾ فاعترف بالعبودية والإحسان إليه ﴿فأنظرني﴾ أي: أخرني والإنظار تأخير المحتاج للنظر في أمره والفاء متعلقة بمحذوف دلّ عليه ﴿فاخرج منها فإنك رجيم﴾. ﴿إلى يوم يبعثون﴾ أي: الناس أراد أن يجد فسحة في الإغواء ونجاة من الموت إذ لا موت بعد وقت البعث. ﴿قال﴾ الله تعالى مجيباً للأوّل دون الثاني بقوله تعالى: ﴿فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾ وهو المسمى فيه أجلك عند الله وهو النفخة الأولى وما يتبعها من موت كل مخلوق لم يكن في دار الخلد. فإن قيل: كيف أجابه الله تعالى إلى ذلك الإمهال؟ أجيب: بأنه إنما أجابه إلى ذلك زيادة في بلائه وشقائه وعذابه لا لإكرامه ورفع مرتبته. ولما أجيب لذلك كأنه قيل فماذا قال فقيل:
(٣/٤٨٢)
---


الصفحة التالية
Icon