﴿فما أغنى﴾ أي: ما دفع ﴿عنهم﴾ الضرّ والبلاء ﴿ما كانوا يكسبون﴾ أي: يعملون من بناء البيوت الوثيقة واستكثار الأموال والعدد. وعن جابر رضي الله تعالى عنه مررنا مع رسول الله ﷺ على الحجر فقال لنا: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين حذراً أن يصيبكم مثل ما أصاب هؤلاء ثم زجر رسول الله ﷺ راحلته فأسرع حتى خلفها». ولما ذكر تعالى هذه القصص تسلية لنبيه ﷺ فإنه إذا سمع أنّ الأمم السالفة كانوا يعاملون أنبياء الله بمثل هذه المعاملات سهل تحمل تلك السفاهة قال تعالى:
﴿وما خلقنا السموات والأرض﴾ أي: على ما لها من العلوّ والسعة والأرض على ما لها من المنافع والغرائب ﴿وما بينهما﴾ من هؤلاء المشركين المكذبين وعذابهم ومن المياه والرياح والسحاب المسبب عنه النبات وغير ذلك ﴿إلا بالحق﴾ أي: إلا خلقاً ملتبساً بالحق فيتفكر فيه من وفقه الله تعالى ليعلم النشأة الآخرة بهذه النشأة الأولى ﴿وإن الساعة﴾ أي: القيامة ﴿لآتية﴾ لا محالة فيجازي الله تعالى كل أحد بعمله ثم إنه تعالى لما صبره على أذى قومه رغبّه بعد ذلك في الصفح عن سيئاتهم بقوله تعالى:
﴿فاصفح الصفح الجميل﴾ أي: أعرض عنهم إعراضاً لا جزع فيه ولا تعجل بالإنتقام منهم وهذا منسوخ بآية السيف. قال الرازي: وهو بعيد لأنّ المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والصفو والصفح فكيف يصير منسوخاً اه. والأوّل جرى عليه البغوي وجماعة من المفسرين ثم علل تعالى هذا الأمر بقوله:
(٤/١)
---