النوع الرابع: قوله تعالى: ﴿وتحمل أثقالكم﴾ جمع ثقل وهو متاع المسافر. ﴿إلى بلد﴾ أي: غير بلدكم أردتم السفر إليه ﴿لم تكونوا بالغيه﴾ أي: غير واصلين إليه على غير الإبل ﴿إلا بشق الأنفس﴾ أي: إلا بكلفة ومشقة والشق بكسر الشين نصف الشي، أي: لم تكونوا بالغيه إلا بنقصان قوّة النفس وذهاب نصفها. وقال ابن عباس: يريد من مكة إلى اليمن وإلى الشأم وإلى مصر قال الواحدي: والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير إبل شق عليكم. وخص ابن عباس هذه البلاد لأنّ متاجر أهل مكة كانت إلى هذه البلاد. فإن قيل: المراد من قوله تعالى: ﴿والأنعام خلقها لكم﴾ الإبل فقط بدليل أنه وصفها إلى آخر الآية بقوله: ﴿وتحمل أثقالكم إلى بلد﴾ وهذا الوصف لا يليق إلا بالإبل؟ أجيب: بأنّ المقصود من هذه الآيات تعديد منافع الأنعام فبعض تلك المنافع حاصل في الكل وبعضها مختص بالبعض والدليل عليه أن قوله: ﴿ولكم فيها جمال﴾ حاصل في البقر والغنم، مثل حصوله في الإبل. تنبيه: احتج منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية فإنها تدل على أنّ الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشق الأنفس وحمل الأثقال على الإبل ومثبتوا الكرامات يقولون: إنّ الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة من غير تعب وتحمل مشقة، وكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلاً وإذا بطل القول بالكرامات في هذه الصورة بطل القول بها في سائر الصور إذ لا قائل بالفرق، وأجاب المثبتون بأنا نخصص عموم هذه الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرامات ﴿إنّ ربكم﴾ أي: الموجد لكم والمحسن إليكم ﴿لرؤوف﴾ أي: بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بما يرضيه. وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي بقصر الهمزة والباقون بالمدّ. ﴿رحيم﴾ أي: بليغ الرحمة بسبب وبغير سبب.
(٤/١٧)
---


الصفحة التالية
Icon