﴿وقالوا﴾ أي: كثير من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً﴾ جمع هائد كعائد وعود ﴿أو نصارى﴾ قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبيّ ﷺ أي قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا اليهود ولا دين إلا دين اليهودية، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا النصارى ولا دين إلا دين النصرانية، فجمع الله بين القولين ثقة بأنّ السامع يرد إلى كلّ فريق قوله وأمنا من الالباس لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كلّ واحد منهما لصاحبه ونحوه ﴿تلك﴾ أي: القولة ﴿أمانيهم﴾ أي: شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله تعالى بغير حق ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿هاتوا برهانكم﴾ أي: حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة ﴿إن كنتم صادقين﴾ في دعواكم إذ كل قول لا دليل عليه فهو غير صحيح وهذا متصل بقولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى وتلك أمانيهم اعتراض وقوله تعالى:
(١/١٩٧)
---
﴿بلى﴾ إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة ﴿من أسلم وجهه ﴾ أي: انقاد لأمره وخص الوجه؛ لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة فغيره أولى ﴿وهو محسن﴾ في عمله وقيل: مخلص وقيل: مؤمن ﴿فله أجره﴾ أي: ثواب عمله ثابتاً ﴿عند ربه﴾ لا يضيع ولا ينقص والجملة جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط فيكون الردّ بقوله: بلى وحده ويحسن الوقف عليه ويصح أن يكون قوله: من أسلم فاعل فعل مقدّر مثل بلى يدخلها من أسلم فلا يحسن الوقف عليه ويصح أن يكون قوله فله أجره عند ربه كلاماً معطوفاً على يدخلها من أسلم ﴿ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ في الآخرة.
ولما قدم نصارى نجران على النبيّ ﷺ أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت لهم اليهود: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت النصارى لليهود: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بموسى والتوراة أنزل الله تعالى.