﴿أفمن يخلق﴾ أي: هذه الأشياء الموجودة وغيرها ﴿كمن لا يخلق﴾ شيئاً من ذلك بل على إيجاد شيء ما فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادة من لا يستحق العبادة وترك عبادة من يستحقها وهو الله تعالى. فإن قيل: ذلك إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق فكان حق الإلزام أن يقال: أفمن لا يخلق كمن يخلق؟ أجيب: بأنهم لما جعلوا غير الله مثل الله تعالى في تسميته باسمه والعبادة له وسوّوا بينه وبينه فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها فانكر عليهم ذلك بقوله تعالى: ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق﴾. فإن قيل: من لا يخلق إن أريد به جميع ما عبد من دون الله كان ورود من واضحاً لأنّ العاقل يغلب على غيره فيعبر عن الجميع بمن ولو جيء أيضاً بما لجاز وإن أريد به الأصنام فلم جيء بمن الذي هو لأولي العلم؟ أجيب: بأنهم سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم ألا ترى إلى قوله تعالى على أثره: ﴿والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون﴾ (النحل، ٢٠)
وإلى قول الشاعر:
*بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ** فقلت ومثلي بالبكاء جدير
*أسرب القطا هل من يعير جناحه ** لعلي إلى من قد هويت أطير
*وكل قطاة لا تعير جناحها ** تعيش بذل والجناح قصير
فأوقع من على سرب لما عامله معاملة العقلاء، وقيل: للمشاكلة بينه وبين من يخلق، وقيل: المعنى أنّ من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده كقوله تعالى: ﴿ألهم أرجل يمشون بها﴾ (الأعراف، ١٩٥)
(٤/٣٠)
---


الصفحة التالية
Icon