﴿ثم رددنا لكم الكرّة﴾ أي: الدولة والغلبة ﴿عليهم﴾ حتى تبتم عن ذنوبكم ورجعتم عن الفساد في زمن داود بقتله جالوت وذلك بعد مائة سنة ﴿وأمددناكم بأموال﴾ تستعينون بها على قتال عدوّكم ﴿وبنين﴾ تتقوّون بهم ﴿وجعلناكم أكثر﴾ من عدوّكم ﴿نفيراً﴾ أي: عشيرة تنفر معكم عند إرادة القتال وغيره من المهمات والنفير من ينفر مع الرجل من قومه وقيل: جمع نفر، وهم المجتمعون للذهاب إلى العدوّ. ولما حكى الله تعالى عنهم أنهم لما عصوا سلط الله عليهم أقواماً قصدوهم بالقتل والنهب والسبي ولما تابوا أزال عنهم تلك المحنة، وأعاد عليهم الدولة فعند ذلك ظهر أنهم إن أطاعوا الله فقد أحسنوا إلى أنفسهم، وإن أصرّوا على المعصية فقد أساؤوا على أنفسهم وقد تقرّر في العقول أنّ الإحسان إلى النفس حسن مطلوب وأنّ الإساءة إليها قبيحة فلهذا المعنى قال تعالى:
﴿إن أحسنتم﴾ أي: بفعل الطاعة على حسب الأمر في الكتاب الداعي إلى العدل والإحسان ﴿أحسنتم لأنفسكم﴾ أي: لأنّ ثوابها لها ﴿وإن أسأتم﴾ بارتكاب المحرّمات والإفساد ﴿فلها﴾ أي: الإساءة لأنّ وبالها عليها. قال النحويون: وإنما قال: ﴿وإن أسأتم فلها﴾ للتقابل، والمعنى فإليها أو فعليها كما مرّ مع أنّ حروف الإضافة يقوم بعضها مقام بعض كقوله تعالى: ﴿يومئذٍ تحدّث أخبارها بأن ربك أوحى لها﴾ (الزلزلة: ٤، ٥)
أي: إليها. تنبيه: قال أهل الإشارات هذه الآية تدل على أن رحمة الله غالبة على غضبه بدليل أنه تعالى لما حكى عنهم الإحسان ذكره مرّتين فقال تعالى: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم﴾ ولما حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرّة واحدة فقال تعالى: ﴿وإن أسأتم فلها﴾ ولولا أن جانب الرحمة غالب وإلا لما كان كذلك ثم قال:
(٤/١٧٠)
---


الصفحة التالية
Icon