. ثم قال وإنهم قد عادوا إلى فعل ما لا ينبغي وهو التكذيب بمحمد ﷺ وكتمان ما ورد في التوراة والإنجيل فعاد الله تعالى عليهم بالتعذيب على أيدي العرب فجرى على بني النضير وقريظة وبني قينقاع ويهود خيبر ما جرى من القتل والجلاء ثم الباقي منهم مقهورون بالجزية لا ملك لهم ولا سلطان ثم قال تعالى ﴿وجعلنا﴾ أي: بعد ذلك بعظمتنا ﴿جهنم﴾ أي: التي تلقى داخلها بالتجهيم والكراهة ﴿للكافرين﴾ وذكر الوصف الظاهر موضع الضمير لبيان تعلق الحكم به على سبيل الرسوخ سواء في ذلك هم وغيرهم وقوله تعالى ﴿حصيرا﴾ يحتمل أن يكون فعيلاً بمعنى الفاعل أي: جعلنا جهنم حاصراً لهم ويحتمل أن يكون بمعنى مفعول أي: جعلناها موضعاً محصوراً لهم والمعنى أنّ عذاب الدنيا وإن كان شديداً قوياً إلا أنه قد ينقلب بعض الناس عنه والذي يقع في ذلك العذاب يتخلص منه إمّا بالموت وإمّا بطريق آخر، وأمّا عذاب الآخرة فإنه يكون حاصراً للإنسان محيطاً به لا رجاء في الخلاص عنه فهؤلاء الأقوام لهم من عذاب الدنيا ما وصفناه ويكون لهم بعد ذلك من عذاب الآخرة ما يكون محيطاً بهم من جميع الجهات ولا يتخلصون منه أبداً. ولما بين سبحانه وتعالى كتاب موسى عليه السلام الذي أنزل عليه فيما بين مصر وبيت المقدس في تلك المدّة المتطاولة وجعله هدى لبني إسرائيل صادق الوعد والوعيد بين تعالى كتاب محمد ﷺ الذي أنزل عليه منه في سبب مسيره إليه في ذلك، ووصفه بثلاثة أنواع من الصفات الأولى قوله تعالى:
﴿إنّ هذا القرآن﴾ أي: الجامع لكل حق والفارق بين كل ملتبس ﴿يهدي للتي﴾ أي: إلى الطريق التي ﴿هي أقوم﴾ أي: أصوب من كل طريق فقوله تعالى: ﴿للتي هي أقوم﴾ نعت لموصوف محذوف كما تقرّر ويصح أن يقدّر الملة والشريعة أي: يهدي إلى الملة والشريعة التي هي أقوم الملل والشرائع ومثل هذه الكناية كثيرة الاستعمال في القرآن كقوله تعالى: ﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾ (المؤمنون، ٩٦)