﴿ويدع الإنسان بالشرّ﴾ عند ضجره على نفسه وأهله وماله ﴿دعاءه﴾ أي: مثل دعائه ﴿بالخير﴾ ولو استجيب له في الشر كما يستجاب له في الخير لهلك. روي أنه ﷺ دفع إلى سودة بنت زمعة أسيراً فأقبل يئنّ في الليل فقالت له: ما لك؟ فبكى وشكا فرحمته فأرخت كتافه فهرب، فلما أصبح النبيّ ﷺ دعا به فأعلم بشأنه فقال ﷺ «اللهمّ اقطع يدها فرفعت سودة يدها تتوقع أن يقطع الله تعالى يدها، فندم النبيّ ﷺ وقال: اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضبون فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له وقيل المراد النضر بن الحرث حيث قال: اللهمّ انصر خيرالحزبين اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك إلى آخره فأجاب الله تعالى دعاءه وضربت رقبته يوم بدر صبراً. وكان بعضهم يقول: ﴿ائتنا بعذاب الله﴾ (العنكبوت، ٢٩)
وآخرون يقولون: ﴿متى هذا الوعد إن كنتم صادقين﴾ (يونس، ٤٨)
وإنما فعلوا ذلك للجهل ولاعتقاد أنّ محمداً كاذب فيما يقول، وقيل المراد أنّ الإنسان قد يبالغ في الدعاء طالباً لشيء قد يعتقد أنّ خيره فيه مع أنّ ذلك الشيء منبع لشرّه وضرره وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء وإنما يقدّم على مثل هذا العمل لكونه عجولاً مغترّاً بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها، كما قال تعالى: ﴿وكان الإنسان﴾ أي: الجنس ﴿عجولاً﴾ أي: يسارع إلى كل ما يخطر بباله ولا ينظر إلى عاقبته وقيل المراد آدم عليه السلام لما انتهى الروح إلى سرّته ذهب لينهض فسقط. تنبيه: حذفت واو ويدع أي: التي هي لام الفعل خطأ في جميع المصاحف ولا موجب لحذفها لفظاً في العربية لكنها لما كانت لا تظهر في اللفظ حذفت في الخط، ونظيره قوله تعالى: ﴿سندع الزبانية﴾ (العلق، ١٨)
و﴿سوف يؤت الله المؤمنين﴾ (النساء، ١٤٦)
و﴿يوم يناد المنادي﴾ (ق، ٤١)
﴿فما تغن النذر﴾ (القمر، ٥)
(٤/١٧٦)
---


الصفحة التالية
Icon