(٤/١٧٨)
---
أي: تطلبوا طلباً شديداً ﴿فضلاًمن ربكم﴾ أي: المحسن إليكم فيهما بضياء هذا تارة ونور هذا أخرى ﴿ولتعلموا﴾ بفصل هذا عن هذا ﴿عدد السنين والحساب﴾ لأن الحساب يبنى على أربع مراتب الساعات والأيام والشهور والسنين، والعدد للسنين والحساب لما دون السنين وهي الشهور والأيام والساعات وبعد هذه المراتب الأربعة لا يحصل إلا التكرار كأنهم رتبوا العدد على أربع مراتب الآحاد والعشرات والمئات والألوف وليس بعدها إلا التكرار. ولما ذكر تعالى أحوال آيتي الليل والنهار وهما من وجه دليلان قاطعان على التوحيد ومن وجه آخر نعمتان عظيمتان من الله تعالى على أهل الدنيا، وقد ذكر تعالى في آيات كثيرة منافعهما كقوله تعالى: ﴿وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً﴾ (النبأء: ١٠، ١١)
. وكقوله تعالى: ﴿جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله﴾ (القصص، ٧٣)
وشرح تعالى حالهما وفصل ما فيهما من وجوه الدلالة على الخالق، ومن وجوه النعم العظيمة على الخلق، كان ذلك تفصيلاً نافعاً وتبياناً كاملاً فلا جرم، قال تعالى: ﴿وكل شيء﴾ أي: لكم إليه حاجة في مصالح دينكم ودنياكم ﴿فصلناه تفصيلاً﴾ أي: بيناه تبييناً، وهو كقوله تعالى: ﴿ما فرّطنا في الكتاب من شيء﴾ (الأنعام، ٣٨)
وكقوله تعالى: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء﴾ (النحل، ٨٩)
وقوله: ﴿تدمّر كل شيء بأمر ربها﴾ (الأحقاف، ٢٥)
. وإنما ذكر تعالى تفصيلاً لأجل توكيد الكلام وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقاً. ولما بين تعالى أنه أوصل إلى الخلق أصناف الأشياء النافعة لهم في الدنيا والدين مثل آيتي الليل والنهار وغيرهما كان منعماً عليهم بوجود النعم وذلك يقتضي وجوب اشتغالهم بخدمته وطاعته فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فإنه يكون مسؤولاً عن أعماله وأقواله كما قال تعالى:
(٤/١٧٩)
---


الصفحة التالية
Icon