قولوا لا إله إلا الله حتى تطيعكم العرب وتدين لكم العجم» فأبوا عليه ذلك وكانوا عند استماعهم من النبيّ ﷺ القرآن والدعوى إلى الله تعالى يقولون: ﴿إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً﴾. فإن قيل: أنهم لم يتبعوا رسول الله ﷺ فكيف يصح أن يقولوا ﴿إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً﴾ أجيب: بأنّ معناه إن اتبعتموه فقد اتبعتم رجلاً مسحوراً. وقرأ ابو عمرو وابن ذكوان وعاصم وحمزة بكسر التنوين في الوصل والباقون بالضم ثم قال تعالى:
﴿انظر كيف ضربوا﴾ أي: هؤلاء الضُّلال ﴿لك الأمثال﴾ التي هي أبعد شيء من صفتك من قولهم كاهن وساحر وشاعر ومعلم ومجنون. ﴿فضلوا﴾ عن الحق في جميع ذلك ﴿فلا﴾ أي: فتسبب عن ذلك أنهم لا ﴿يستطيعون سبيلاً﴾ أي: وصولاً إلى طريق الحق. ولما جرت عادة القرآن بإثبات التوحيد والنبوّة والمعاد وقدم الدلالة على الأوّلين وختم بإثبات جهلهم في النبوّة مع ظهورها أتبع ذلك أمراً جلياً في ضلالهم عن السبيل في أمر المعاد وقرّره غاية التقرير، وحرّه أتم تحرير. قال تعالى معجباً منهم:
(٤/٢٣١)
---
﴿وقالوا﴾ أي: المشركون المنكرون للتوحيد والنبوّة والبعث مع اعترافهم بأنا ابتدأنا خلقهم ومشاهدتهم في كل وقت إنا نحيي الأرض بعد موتها وقولهم: ﴿أئذا﴾ استفهام إنكاري كأنهم على ثقة من عدم ما ينكرونه والعامل في إذا فعل من لفظ مبعوثون لا هو فإن ما بعد إنّ لا يعمل فيما قبلها فالمعنى أنبعث إذا ﴿كنا﴾ أي: بجملة أجسامنا كوناً لازماً ﴿عظاماً ورفاتاً﴾ أي: حطاماً مكسراً مفتتاً أو غباراً. وقال الفراء: هو التراب وهو قول مجاهد ويؤيده أنه قد يكرر في القرآن تراباً وعظاماً. ويقال للتبن الرفات لأنه دقاق الزرع. ﴿أئنا لمبعوثون﴾ حال كوننا مخلوقين ﴿خلقاً جديداً﴾.


الصفحة التالية
Icon