الوصف الثاني: قوله تعالى: ﴿قيماً﴾ قال ابن عباس: يريد مستقيما، أي: معتدلاً لا إفراط فيه ولا تفريط. قال الرازي: وهذا عندي مشكل لأنه لا معنى لنفي الإعوجاج إلا حصول الاستقامة فتفسير القيم بالمستقيم يوجب التكرار بل الحق أنّ المراد من كونه قيما كونه سبباً لهداية الخلق وأنه يجري مجرى من يكون قيماً للأطفال فالأرواح البشرية كالأطفال والقرآن كالقيم المشفق القائم بمصالحهم وقال قبل ذلك أنّ الشيء يجب أن يكون كاملاً في ذاته ثم يكون مكملاً لغيره، ويجب أن يكون تامّاً في ذاته ثم يكون فوق التمام بأن يفيض عنه كمال الغير فقوله تعالى: ﴿ولم يجعل له عوجاً﴾ إشارة إلى كونه كاملاً في ذاته وقوله: ﴿قيماً﴾ إشارة إلى كونه مكملاً لغيره. ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة في صفة الكتاب: ﴿لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ (البقرة، ٢) فقوله: ﴿لا ريب فيه﴾ إشارة إلى كونه في نفسه بالغاً في الصحة وعدم الإخلال إلى حيث يجب على العاقل أن لا يرتاب فيه، وقوله: ﴿هدى للمتقين﴾ إشارة إلى كونه سبباً لهداية الخلق ولكمال حالهم فقوله تعالى: ﴿ولم يجعل له عوجاً﴾ قائم مقام قوله تعالى: ﴿لا ريب فيه﴾ قوله تعالى: ﴿قيماً﴾ قائم مقام قوله تعالى: ﴿هدى للمتقين﴾.
واختلف النحويون في نصب قوله تعالى: ﴿قيماً﴾ على أوجه: الأوّل قال في «الكشاف»: لا يجوز جعله حالاً من الكتاب لأنّ قوله تعالى: ﴿ولم يجعل له عوجاً﴾ معطوف على قوله تعالى: ﴿أنزل﴾ فهو داخل في حيز الصلة وأنه لا يجوز. قال: ولما بطل هذا وجب أن ينتصب بمضمر والتقدير ولم يجعل له عوجاً جعله قيماً لأنه تعالى إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة. قال: فإن قلت فما فائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الآخر؟ قلت: فائدته التأكيد ورب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح.
(٥/٣)
---


الصفحة التالية
Icon