(٥/١٤)
---
التقدير هيئ لنا أمراً ذا رشد، أي: حتى نصير بسبببه راشدين مهتدين. الثاني: اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك رشداً. ولما أجابهم سبحانه وتعالى عبر عن ذلك بقوله تعالى:
﴿فضربنا﴾، أي: عقب هذا القول وبسببه ﴿على آذانهم﴾ حجاباً يمنع السماع، أي: أنمناهم نومة لا تنبههم الأصوات الموقظة فحذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال بنى على امرأته يريدون بنى عليها القبة. ثم بين تعالى أنه إنما ضرب على آذانهم ﴿في الكهف﴾، أي: المعهود وهو ظرف مكان وقوله تعالى: ﴿سنين﴾ ظرف زمان وقوله تعالى: ﴿عدداً﴾، أي: ذوات عدد يحتمل التكثير والتقليل فإنّ مدّة لبثهم كبعض يوم عنده كقوله تعالى: ﴿لم يلبثوا إلا ساعة من نهار﴾ (الأنفاق، ٣٥). وقال الزجاج: إذا قل الشيء فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى أن يعدّ وإذا كثر أحتاج إلى أن يعدّ ﴿ثم بعثناهم﴾، أي: أيقظناهم من ذلك النوم ﴿لنعلم﴾، أي: علم مشاهدة وقد سبق نظير هذه الآية في القرآن كثيراً منها ما سبق في سورة البقرة ﴿إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه﴾ (البقرة، ١٤٣)
. وفي آل عمران: ﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ (آل عمران، ١٤٢)
وقد نبهنا على ذلك في محله ﴿أيّ الحزبين﴾، أي: الفريقين المختلفين في مدّة لبثهم ﴿أحصى لما لبثوا أمداً﴾ واختلفوا في الحزبين المختلفين فقال عطاء عن ابن عباس: المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكاً بعد ملك وأصحاب الكهف. وقال مجاهد: الحزبان من الفتية أصحاب الكهف لما تيقظوا اختلفوا في أنهم كم لبثوا ويدل له قوله تعالى: ﴿قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم﴾ (الكهف، ١٩)
(٥/١٥)
---