وقال: اللهمّ إله السماء وإله الأرض أفرغ اليوم عليّ صبراً وأولج معي روحاً منك تؤيدني بها عند هذا الجبار وجعل يقول في نفسه: فرّق ما بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت ويا ليتهم يأتوني فنقوم جميعاً بين يدي هذا الجبار فإنا كنا توافقنا على الإيمان بالله سبحانه وتعالى وأنّ لا نشرك به شيئاً ولا نفترق في حياة ولا موت، فلما انتهى به إلى الرجلين الصالحين ورأى أنه لم يذهب به إلى دقيانوس أفاق وسكن عنه البكاء فأخذ أريوس وأسطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ثم قال أحدهما: أين الكنز الذي وجدت يا فتى؟ فقال تمليخا: ما وجدت كنزاً ولكن هذا ورق أبائي ونقش المدينة وضربها ولكن والله ما أدري ما شأني وما أقول لكم فقال أحدهما: ممن أنت؟ فقال تمليخا: أمّا أنا فكنت أرى أني من أهل هذه المدينة قالوا: فمن أبوك؟ ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا أحداً يعرفه ولا أباه فقال له: أحدهما أنت رجل كذاب لا تأتينا بالحق فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير أنه نكس بصره إلى الأرض، فقال بعض من حوله: هذا رجل مجنون. وقال بعضهم: ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمداً حتى ينفلت منكم.
فقال له أحدهما ونظر إليه نظراً شديداً: أتظنّ انا نرسلك ونصدّقك بأن هذا مال أبيك ونقش هذه الورق وضربها أكثر من ثلاثمئة سنة، وأنت غلام شاب وتظنّ أنك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شيوخ وشمط كما ترى وحولك سراة هذه المدنية وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار وإني لأظنني سآمر بك فتعذب عذاباً شديداً ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدته، فلما قال ذلك قال لهم تمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه فإن فعلتم صدّقتكم عما عندي فقالوا: سل لا نكتمك شيئاً.
(٥/٣٤)
---