روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت جالساً في عصابة من ضعفاء المهاجرين وأنّ بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ من القرآن فجاء رسول الله ﷺ وقال: «ما الذي كنتم تصنعون؟ قلنا: يا رسول الله كان واحد يقرأ من القرآن ونحن نسمع فقال رسول الله ﷺ الحمد لله الذي جعل من أمّتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ثم جلس وسطنا وقال: أبشروا يا صعاليك المهاجرين بالنور التامّ يوم القيامة فتدخلون الجنة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة سنة». ولما أمر الله تعالى رسوله ﷺ بأن لا يلتفت إلى أولئك الأغنياء الذين قالوا: إن طردت الفقراء آمنا بك. قال تعالى بعده:
﴿وقل الحق﴾، أي: وقل لهؤلاء ولغيرهم هذا الذي جئتكم به في أمر أهل الكهف وغيرهم من هذا الوجه العربي المعرى عن العوج الظاهر الإعجاز الباهر الحجج الحق كائناً ﴿من ربكم﴾ المحسن إليكم في أمر أهل الكهف وغيرهم من صبر نفسي مع المؤمنين والإعراض عمن سواهم وغير ذلك لا ما قلتموه في أمرهم، ويجوز أن يكون الحق مبتدأ وخبره الجار بعده ﴿فمن شاء﴾، أي: منكم ومن غيركم ﴿فليؤمن﴾ بهذا الذي قصصناه فيهم وفي غيرهم فهو مقبول مرغوب فيه وإن كان فقيراً رث الهيئة ولم ينفع إلا نفسه ﴿ومن شاء﴾ منكم ومن غيركم ﴿فليكفر﴾ فهو أهل لأن يعرض عنه ولا يلتفت إليه وإن كان أغنى الناس وأحسنهم هيئة وإن تعاظمت هيئته وهذا لا يقتضي استقلال العبد بفعله كما تقول المعتزلة، فعن ابن عباس في معنى الآية من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر ونقل عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: هذه الصيغة تهديد ووعيد، أي: فهي كقوله تعالى: ﴿اعملوا ما شئتم﴾ (فصلت، ٤٠)
فإن الله تعالى لا ينتفع بإيمان المؤمنين ولا يستضرّ بكفر الكافرين بل نفع الإيمان يعود على المؤمن وضرر الكفر بعود على الكافر كما قال تعالى: ﴿إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها﴾ (الإسراء، ٧)
(٥/٦١)
---


الصفحة التالية
Icon