فلا أعطيك شيئاً فطرده. وروي أنه لما أتاه أخذ بيده فجعل يطوف به ويريه أموال نفسه فنزل فيهما ﴿واضرب لهم مثلاً رجلين﴾، أي: اذكر لهم خبر رجلين؛ ﴿جعلنا لأحدهما جنتين﴾، أي: بسانين يسر ما فيهما من الأشجار من يدخلهما ﴿من أعناب﴾ لأنها من أشجار البلاد الباردة وتصبر على الحر وهي فاكهة وقوت بالعنب والزبيب والخل وغيرها، ثم إنه تعالى وصف الجنتين بصفات الصفة الأولى قوله تعالى: ﴿وحففناهما﴾، أي: اطفناهما من جوانبهما ﴿بنخل﴾ لأنها من أشجار البلاد الحارّة، وتصبر على الحرور بما منعت عن الأعناب بعض أسباب العاهات وثمرها فاكهة بالبسر والرطب وقوت بالتمر والخلّ، فكان النخل كالأكليل من وراء العنب.
تنبيه: الحفاف الجانب وجمعه أحفة يقال: أحف به القوم، أي: أطافوا بجوانبه. الصفة الثانية قوله تعالى: ﴿وجعلنا بينهما﴾، أي: أرضي الجنتين ﴿زرعاً﴾ لبعد شمول الآفة للكل لأنّ زمان الزرع ومكانه غير زمان ثمار الشجر ومكانه وذلك هو العمدة في القوت فكانت الجنتان أرضاً جامعة لخير الفاكهة وأفضل الأقوات وعمارتهما متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعهما ويفصل بينهما مع سعة الأطراف وتباعد الأكتاف وحسن الهيئات والأوصاف. الصفة الثالثة:
قوله تعالى: ﴿كلتا﴾، أي: كل واحدة من ﴿الجنتين﴾ المذكورتين ﴿آتت أكلها﴾، أي: ما يطلب منها ويؤكل من ثمر وحب كاملاً غير منسوب شيء منهما إلى نقص ولا رداءة وهو بمعنى ﴿ولم تظلم﴾، أي: ولم تنقص ﴿منه شيئاً﴾ يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالباً والظلم النقصان تقول الرجل ظلمني حقي أي نقصني.
(٥/٦٧)
---