﴿أو يصبح ماؤها غوراً﴾، أي: غائراً في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء مصدر وصف به كالزلق ﴿فلن تستطيع﴾ أنت ﴿له﴾، أي: للماء الغائر ﴿طلباً﴾ يصير بحيث لا تقدر على ردّه إلى موضعه، ثم إنه أخبر الله تعالى أنه حقق ما قدّره هذا المؤمن فقال:
﴿وأحيط﴾، أي: وقعت الإحاطة بالهلاك وبني للمفعول لأنّ النكد حاصل بإحاطة الهلاك من غير نظر إلى فاعل مخصوص والدلالة على سهولته ﴿بثمره﴾، أي: الرجل المشرك كله واستؤصل هالكاً ما في السهل منه وما في الجبل وما يصبر منه على البرد والحر وما لا يصبر. قال بعض المفسرين: إنّ الله تعالى أرسل عليها ناراً فأهلكتها وغار ماؤها ﴿فأصبح يقلب كفيه﴾ ندماً ويضرب أحداهما على الأخرى تحسراً فتقلب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأنّ النادم يقلب كفيه ظهراً لبطن كما يكنى عن ذلك بعض الكف والسقوط في اليد لأنه في معنى الندم فعدى تعديته كأنه قيل فأصبح يندم ﴿على ما أنفق فيها﴾، أي: في عمارتها ونمائها ﴿وهي خاوية﴾، أي: ساقطة ﴿على عروشها﴾، أي: دعائمها التي كانت تحتها فسقطت على الأرض وسقطت هي فوقها. وقوله تعالى: ﴿ويقول﴾ عطف على يقلب أو حال من ضميره ﴿يا﴾ للتنبيه ﴿ليتني﴾ تمنياً لرد ما فاته لحيرته وذهول عقله ودهشته وعدم اعتماده على الله تعالى من غير إشراك بالاعتماد على الفاني ﴿لم أشرك بربي أحداً﴾ كما قال له صاحبه فندم حيث لا ينفعه الندم على ما فرّط في الماضي لأجل ما فاته على الدنيا لا حرصاً على الإيمان لحصول الفوز في العقبى لقصور عقله ووقوفه مع المحسوسات المشاهدة. فإن قيل: إنّ هذا الكلام يوهم أن جنته إنما هلكت بشؤم شركه وليس مراداً لأنّ أنواع البلاء أكثرها إنما يقع للمؤمنين قال تعالى: ﴿ولولا أن يكون الناس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون﴾ (الزخرف، ٣٣)
(٥/٧٤)
---