. وقيل: اختلط ذلك الماء بالنبات حتى روى واهتز ونما وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض لكن لما كان كل من المختلطين موصوفاً بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته ثم إذا انقطع ذلك بالمطر مدّة جف ذلك النبات ﴿فأصبح هشيماً﴾أي يابساً متفرّقة أجزاؤه ﴿تذروه﴾، أي: تنثره وتفرّقه ﴿الرياح﴾ فتذهب به والمعنى أنه تعالى شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرّقته الرياح حتى يصير عما قليل كأنه بقدرة الله تعالى لم يكن وقرأ حمزة والكسائي بالتوحيد والباقون بالجمع ﴿وكان الله﴾، أي: المختص بصفات الكمال ﴿على كل شيء﴾ من دون ذلك وغيره إنشاءً وإفناءً وإعادةً. ﴿مقتدراً﴾ أزلاً وأبداً بتكوينه اوّلا وتنميته وسطاً وإبطاله آخراً فأحوال الدنيا أيضاً كذلك تظهر أوّلاً في غاية الحسن والنضارة ثم تتزايد قليلاً قليلاً ثم تأخذ في الانحطاط إلى أن ينتهي إلى الهلاك والفناء ومثل هذا الشيء ليس للعاقل أن يبتهج به.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿فأصبح﴾ يجوز أن يكون على بابه فإنّ أكثر ما يطرق من الآفات صباحاً كقوله تعالى: ﴿فأصبح يقلب كفيه﴾ ويجوز أن يكون بمعنى صار من غير تقييد كقول القائل:
*أصبحت لا أحمل السلاح ولا
** أملك رأس البعير إن نفرا
ولما بيّن سبحانه وتعالى أنّ الدنيا سريعة الانقراض والانقضاء مشرفة على الزوال والبوار والفناء بيّن بقوله تعالى:
﴿س١٨ش٤٦/ش٤٨ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحياةِ الدُّنْيَا؟ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَ؟ * وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى ا؟رْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا؟ عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّة؟؟ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ﴾
(٥/٧٧)
---


الصفحة التالية
Icon