﴿ومن أظلم﴾ أي: لا أحد أظلم وهو استفهام على سبيل التقرير ﴿ممن ذكر بآيات ربه﴾ أي: المحسن إليه بها وهي القرآن ﴿فأعرض عنها﴾ تاركاً لما يعرف من تلك العلامات العجيبة وما يوجب ذلك الإحسان من الشاكر ﴿ونسي ما قدّمت يداه﴾ من الكفر والمعاصي فلم يتفكر في عاقبتها ثم علل تعالى ذلك الإعراض بقوله تعالى: ﴿أنا جعلنا على قلوبهم﴾ فجمع رجوعاً إلى أسلوب واتخذوا آياتي لأنه أنص على ذم كل واحد ﴿أكنة﴾ أي: أغطية مستعلية عليها استعلاء يدل سياق العظمة على أنه لا يدع شيئاً من الخير يصل إليها فهي لا تعي شيئاً من آياتنا، ودلّ تذكير الضمير وإفراده على أنّ المراد بالآيات القرآن فقال: ﴿أن﴾ أي: كراهة أن ﴿يفقهوه﴾ أي: يفهموه ﴿وفي آذانهم وقراً﴾ أي: ثقلاً فهم لا يسمعون حق السمع ولا يعون حق الوعي ﴿وإن تدعهم﴾ أي: تكرّر دعاءهم كل وقت ﴿إلى الهدى﴾ لتنجيهم بما عندك من الحرص والجد على ذلك ﴿فلن يهتدوا﴾ أي: بسبب دعائك ﴿إذا﴾ أي: إذا دعوتهم ﴿أبداً﴾ لأن اللّه تعالى حكم عليهم بالضلال فلا يقع منهم إيمان ثم قال تعالى:
﴿وربك﴾ مشيراً بهذا الاسم إلى ما اقتضاه حال الوصف من الإحسان ﴿الغفور﴾ أي: البليغ المغفرة الذي يستر الذنوب إمّا بمحوها وإما بالحلم عنها إلى وقت آخر ﴿ذو الرحمة﴾ أي: الموصوف بالرحمة الذي يعامل وهو قادر مع موجبات الغضب معاملة الراحم بالإكرام، ثم استشهد تعالى على ذلك بقوله تعالى: ﴿لو يؤاخذهم﴾ أي: هؤلاء الذين عادوك وهو عالم أنهم لا يؤمنون أو يعاملهم معاملة المؤاخذة ﴿بما كسبوا﴾ من الذنوب ﴿لعجل لهم العذاب﴾ أي: في الدنيا ﴿بل لهم موعد﴾ وهو إمّا يوم القيامة وإمّا في الدنيا وهو يوم بدر وسائر أيام الفتح ﴿لن يجدوا من دونه﴾ أي: الموعد ﴿موئلاً﴾ أي: ملجأ ينجيهم منه فإذا جاء موعدهم أهلكناهم فيه بأوّل ظلمهم وآخره وقوله تعالى:
(٥/٩٥)
---