﴿فلما جاوزا﴾ ذلك المكان بالسير بقية يومهما وليلتهما واستمرّا إلى وقت الغداء من ثاني يوم ﴿قال﴾ موسى عليه السلام ﴿لفتاه آتنا﴾ أي: أحضر لنا ﴿غداءنا﴾ وهو ما يؤكل أوّل النهار لنقوى به على ما حصل لنا من الإعياء ولذلك وصل به قوله: ﴿لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا﴾ أي: تعباً ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره اللّه تعالى به فقوله هذا إشارة إلى السفر الذي وقع بعد مجاوزتهما الموعد أو مجمع البحرين ونصبا مفعول بلقينا
﴿قال﴾ له فتاه ﴿أرأيت﴾ أي: ما دهاني وقرأ نافع بتسهيل الهمزة التي هي عين الكلمة ولورش وجه آخر وهو إبدالها حرف مدّ وأسقطها الكسائي والباقون بالتحقيق ﴿إذ أوينا إلى الصخرة﴾ التي بمجمع البحرين ﴿فإني نسيت الحوت﴾ أي: نسيت أن أذكر لك أمره ثم علل عدم ذكره بقوله: ﴿وما أنسانيه إلا الشيطان﴾ بوسواسه، وقرأ حفص بضم الهاء وأمال الألف الكسائي محضة وورش بين بين وبالفتح والباقون بالفتح وقوله: ﴿أن أذكره﴾ لك في محل نصب على البدل من هاء أنسانيه بدل اشتمال أي: أنساني ذكره ﴿واتخذ سبيله﴾ أي: طريقه الذي ذهب فيه ﴿في البحر عجباً﴾ وهو كونه كالسرب معجزة لموسى أو الخضر وذكره له الآن مانع من أن يكون للشيطان عليه سلطان على أن هذا النسيان ليس مفوتاً لطاعة بل فيه ترقية لهما في معراج المقامات العالية لوجدان التعب بعد المكان الذي فيه البغية وحفظ الماء منجاباً على طول الزمان وغير ذلك من الآيات الظاهرة وقوله تعالى: ﴿إنما سلطانه على الذين يتولونه﴾ (النحل، ١٠٠)
(٥/٩٩)
---