(٥/١٠٦)
---
﴿قال﴾ له الخضر: ﴿فإن اتبعتني﴾ أي: صحبتني ولم يقل اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه إلا أنه شرط عليه شرطاً فقال: ﴿فلا تسألني عن شيء﴾ أقوله أو أفعله ﴿حتى أحدث لك﴾ خاصة ﴿منه ذكراً﴾ أي: حتى أبدأك بوجه صوابه فإني لا أقدم على شيء إلا وهو صواب جائز في نفس الأمر، وإن كان ظاهره غير ذلك فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم من العالم، ولما تشارطا وتراضيا على الشرط تسبب عن ذلك قوله تعالى: ﴿فانطلقا﴾ أي: موسى والخضر عليهما السلام على الساحل فانتهيا إلى موضع احتاجا فيه إلى ركوب السفينة فما زالا يطلبان سفينة يركبان فيها واستمرّا ﴿حتى إذا ركبا في السفينة﴾ التي مرت بهما وأجاب الشرط بقوله: ﴿خرقها﴾ أي: أخذ الخضر فأساً فخرق السفينة بأن قلع لوحاً أو لوحين من ألواحها من جهة البحر لما بلغت اللجة ولم يقترن خرق بالفاء لأنه لم يكن مسبباً عن الركوب، ثم استأنف قوله: ﴿قال﴾ أي: موسى عليه السلام منكراً لذلك لما في ظاهره من الفساد بإتلاف المال المفضي إلى فساد أكبر منه بإهلاك النفوس ناسياً لما عقد على نفسه على أنه لو لم ينسَ لم يترك الإنكار كما فعل عند قتل الغلام لأن مثل ذلك غير داخل في الوعد، لأنّ المستثنى شرعاً كالمستثنى وضعاً ﴿أخرقتها﴾ وبين عذره في الإنكار لما في غاية الخرق من الفظاعة فقال: ﴿لتغرق أهلها﴾ فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية مفتوحة وفتح الراء ورفع اللام من أهلها والباقون بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الراء ونصب لام أهلها، ثم قال له موسى: واللّه ﴿لقد جئت شيئاً أمراً﴾ أي: عظيماً منكراً.
﴿قال﴾ الخضر: ﴿ألم أقل إنك﴾ يا موسى ﴿لن تستطيع معي صبراً﴾ فذكره بما قال له عند الشرط.
(٥/١٠٧)
---