تنبيه: أسند الإرادة في قوله: فأردت أن أعيبها إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب، وثانياً في قوله: فأردنا إلى اللّه وإلى نفسه لأنّ التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد اللّه تعالى بدله، وثالثاً في قوله: فأراد ربك إلى اللّه وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين، أولأن الأول في نفسه شرّ والثالث خير والثاني ممتزج، أو لأنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه، ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهاً على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى اللّه تعالى لأنّ التكفل بصلاح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا للّه تعالى أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسايط فإن قيل: اليتيمان هل أحد منهما عرف حصول ذلك الكنز تحت ذلك الجدار أم لا فإن كان الأول امتنع أن يتركوا سقوط ذلك الجدار، وإن كان الثاني فكيف يمكنهم بعد البلوغ استخراج ذلك الكنز ومعرفته والانتفاع به؟ وأجيب: لعلهما كانا جاهلين به إلا أن وصيهما كان عالماً به ثم إن ذلك الوصي غاب وأشرف ذلك الجدار في غيبته على السقوط، ولما قرّر الخضر هذه الجوابات قال: رحمة من ربك أي: إنما فعلت هذه الأفعال لغرض أن تظهر رحمة اللّه لأنها بأسرها ترجع إلى حرف واحد وهو تحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى كما تقرّر ﴿وما فعلته﴾ أي: شيئاً من ذلك ﴿عن أمري﴾ أي: عن اجتهادي ورأيي بل بأمر من له الأمر وهو اللّه تعالى.
تنبيه: احتج من ادعى نبوّة الخضر بأمور أحدها قوله تعالى: ﴿آتيناه رحمة من عندنا﴾ والرحمة هي النبوّة، قال تعالى: ﴿وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك﴾ (القصص، ٨٦)
(٥/١٢١)
---