وبالجملة فالجمهور على أنه نبي كما مرّ واختلفوا هل هو حيّ أو ميت؟ فقيل: إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم، قال البغوي: وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمة ليطلب عين الحياة وكان الخضر على مقدّمته فوقع الخضر على العين فنزل فاغتسل وشرب وشكر اللّه تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق، وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله تعالى: ﴿وما جعلنا البشر من قبلك الخلد﴾ (الأنبياء، ٣٤)
وقال النبي ﷺ بعدما صلى العشاء ليلة: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» ولو كان الخضر حياً لكان لا يعيش بعده. ولما بيّن لموسى سر تلك القضايا قال له ﴿ذلك﴾ أي: هذا التأويل العظيم ﴿تأويل ما لم تسطع﴾ يا موسى ﴿عليه صبراً﴾ وحذف تاء الاستطاعة هنا تخفيفاً فإنّ استطاع واسطاع بمعنى واحد.
تنبيه: من فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعمله ولا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه فلعل فيه سراً لا يعرفه وأن يداوم على التعلم ويتذلل للعلماء ويراعي الأحب في المقال، وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حين يتحقق إصراره ثم يهاجره، روي أن موسى لما أراد أن يفارق الخضر قال له: أوصني؟ قال: لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه للعمل به. ولما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم عقبها بقصة من طاف الأرض لطلب الجهاد وقدم الأول إشارة إلى علوّ درجة العلم لأنه أساس كل سعادة وقوام كل امرئ فقال عاطفاً على ﴿ويجادل الذين كفروا بالباطل﴾ (الكهف، ٥٦)
(٥/١٢٣)
---


الصفحة التالية
Icon