﴿فخرج﴾ عقب إعلام اللّه تعالى له بهذا ﴿على قومه من المحراب﴾ أي: من المسجد وهم ينتظرونه أن يفتح لهم الباب متغيراً لونه فأنكروه وهو منطلق اللسان بذكر اللّه تعالى منحسبه عن كلام الناس فقالوا: مالك يا نبيّ اللّه؟ ﴿فأوحى إليهم﴾ أي: أشار بشفتيه من غير نطق، وقال مجاهد: كتب لهم في الأرض ﴿أن سبحوا﴾ أي: أوجدوا التنزيه والتقديس للّه تعالى بالصلاة وغيرها ﴿بكرة وعشياً﴾ أي: أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملت امرأته بيحيى، قال الجلال المحلي: وبعد ولادته بسنين قال اللّه تعالى له:
﴿يا يحيى خذ الكتاب﴾ أي: التوراة ﴿بقوة﴾ أي: جدّ ثم إن اللّه تعالى وصفه بصفات الأولى قوله تعالى: ﴿وآتيناه الحكم﴾ قال ابن عباس النبوّة ﴿صبياً﴾ قال الجلال المحلي: تبعاً للبغوي ابن ثلاث سنين أي: أحكم اللّه عقله في صباه واستنبأه وقيل المراد بالحكم الحكمة وفهم التوراة فقرأ التوراة وهو صغير. قال البغوي: وعن بعض السلف من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبياً. الصفة الثانية قوله تعالى:
﴿وحناناً﴾ أي: وآتيناه رحمة وهيبة ووقاراً ورقة قلب ورزقاً وبركة ﴿من لدنّا﴾ أي: من عندنا بلا واسطة تعليم ولا تجربة. الصفة الثالثة قوله تعالى: ﴿وزكاة﴾ أي: وآتيناه طهارة في دينه، قال ابن عباس: يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص، وقال قتادة: هي العمل الصالح، وقال الكلبي: يعني صدقة تصدّق اللّه بها على أبويه. الصفة الرابعة قوله تعالى: ﴿وكان﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿تقياً﴾ أي: مخلصاً مطيعاً، روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهمّ بها. الصفة الخامسة قوله تعالى:
﴿وبراً بوالديه﴾ أي: بارّاً لطيفاً بهما محسناً إليهما لأنه لا عبادة بعد تعظيم اللّه تعالى أعظم من برّ الوالدين يدل عليه قوله تعالى: ﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحساناً﴾ (الإسراء، ٢٣)
(٥/١٥٧)
---