﴿قالت إني أعوذ﴾ أي: أعتصم ﴿بالرحمن﴾ ربي الذي رحمته عامة لجميع خلقه ﴿منك﴾ أي: أن تقربني وفتح ياء أني نافع وابن كثير وأبو عمرو وسكنها الباقون وهم على مراتبهم في المدّ، ولما تفرست فيه بما أنار اللّه تعالى من بصيرتها وأصفى من سريرتها التقوى قالت ﴿إن كنت تقياً﴾ أي: مؤمناً مطيعاً، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي: إني عائذة منك أو نحو ذلك دل تعوذها من تلك الصورة الحسنة على عفتها وورعها فإن قيل: إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت: إن كنت تقياً؟ أجيب: بأن هذا كقول القائل إن كنت مؤمناً فلا تظلمني أي: ينبغي أن يكون إيمانك مانعاً لك من الظلم كذلك هنا ينبغي أن تكون تقواك مانعة لك من الفجور وهذا في نهاية الحسن لأنها علمت أنها لا تؤثر الاستعاذة إلا في التقي وهو كقوله تعالى: ﴿وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين﴾ (البقرة، ٢٧٨)
أي: إن شرط الإيمان يوجب هذا لا أن اللّه تعالى يخشى في حال دون حال، وقيل: كان في ذلك الزمان إنسان فاجر يتبع النساء اسمه تقي فظنت مريم أن ذلك الشخص المشاهد هو ذلك فاستعاذت منه، قال الرازي: والأول هو الوجه. ولما علم جبريل عليه السلام خوفها
(٥/١٦٢)
---