قال ابن عباس: الحمل والولادة في ساعة واحدة، وقيل: ثلاث ساعات حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقيل: كانت مدته تسعة أشهر كحمل سائر النساء، وقيل: كانت مدة حملها ثمانية أشهر وذلك آية أخرى له لأنه لا يعيش من ولد لثمانية أشهر وولد عيسى لهذه المدّة وعاش، وقيل: ولد لستة أشهر. ولما كان ذلك أمراً صعباً عليها جداً كان كأنه قيل: يا ليت شعري ما كان حالها؟ فقيل: ﴿قالت﴾ لما حصل عندها من خوف العار ﴿يا ليتني مت﴾ وأشارت إلى استغراق الزمان بالموت بمعنى عدم الوجود فقالت من غير جارّ ﴿قبل هذا﴾ أي: الأمر العظيم، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي مت بكسر الميم والباقون بالضم ﴿وكنت نسياً﴾ أي: شيئاً من شأنه أن يطرح وينسى ﴿منسياً﴾ أي: متروكاً بالفعل لا يخطر على بالٍ.
فإن قيل: لم قالت ذلك مع أنها كانت تعلم أن الله تعالى بعث جبريل عليه السلام إليها ووعدها بأن يجعلها وولدها آية للعالمين؟.
أجيب عن ذلك بأجوبة: الأول: أنها تمنت ذلك استحياء من الناس فأنساها الاستحياء بشارة الملائكة بعيسى. الثاني: أنّ عادة الصالحين إذا وقعوا في بلاء أن يقولوا ذلك كما روي عن أبي بكر رضي اللّه عنه أنه نظر إلى طائر على شجرة فقال: طوبى لك يا طائر تقع على الشجر وتأكل من الثمر وددت أني ثمرة ينقرها الطائر، وعن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تبنة من الأرض فقال: يا ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئاً، وعن علي رضي اللّه عنه يوم الجمل: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وعن بلال: ليت بلالاً لم تلده أمه فثبت أن هذا الكلام يذكره الصالحون عند اشتداد الأمر عليهم. الثالث: لعلها قالت ذلك لئلا يقع في المعصية من يتكلم فيها وإلا فهي راضية بما بشرت به، وقرأ حفص وحمزة نسياً بفتح النون والباقون بالكسر وقوله تعالى:
(٥/١٦٦)
---