الأوّل: أنّ منكري التوحيد والذين أثبتوا توحيداً ومعبوداً سوى الله تعالى فريقان منهم من أثبت معبوداً غير الله تعالى حياً عاقلاً وهم النصارى، ومنهم من أثبت معبوداً غير الله تعالى جماداً ليس بحيّ ولا عاقل وهم عبدة الأوثان والفريقان وإن اشتركا في الضلال، إلا أنّ ضلال عبدة الأوثان أعظم فلما بين الله تعالى ضلال الفريق الأوّل تكلم في ضلال الفريق الثاني وهم عبدة الأوثان.
الثاني: أنّ إبراهيم عليه السلام كان أبا العرب وكانوا مقرّين بعلوّ شأنه وطهارة دينه على ما قال تعالى أبيكم إبراهيم، وقال تعالى: ﴿ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه﴾ (البقرة، ١٣٠)
فكأنه تعالى قال للعرب: إن كنتم مقلدين لأبيكم على قولكم: ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة﴾ (الزخرف، ٢٢)
فأشرف آبائكم وأعلاهم قدراً هو إبراهيم عليه السلام فقلدوه في ترك عبادة الأصنام والأوثان، وإن كنتم مستدلين فانظروا في هذه الدلائل التي ذكرها إبراهيم عليه السلام لتعرفوا فساد عبادة الأوثان وبالجملة فاتبعوا إبراهيم إمّا تقليداً وإمّا استدلالاً.
(٥/١٨٣)
---
الثالث: أنّ كثيراً من الكفار في زمان النبيّ ﷺ كانوا يقولون نترك دين آبائنا وأجدادنا فذكر الله تعالى قصة إبراهيم عليه السلام وهو أنه ترك دين أبيه وأبطل قوله بالدليل ورجح متابعة الدليل على متابعة أبيه ثم قال تعالى في صفة إبراهيم ﴿إنه كان﴾ جبلةً وطبعاً ﴿صدّيقاً﴾ أي: بليغ الصدق في نفسه في أقواله وأفعاله أي: كان من أوّل وجوده إلى انتهائه موصوفاً بالصدق والصيانة وسيأتي الكلام على قوله: ﴿بل فعله كبيرهم هذا﴾ (الأنبياء، ٦٣)
﴿وإني سقيم﴾ (الصافات، ٨٩)
في محله ولما كانت مرتبة النبوّة أرفع من مرتبة الصدّيقية قال تعالى: ﴿نبيا﴾ أي: استنبأه الله تعالى: