نعوذ بالله من اللغو والجهل والخوض فيما لا يعنينا وقوله تعالى: ﴿إلا سلاما﴾ استثناء منقطع أي: ولكن يسمعون قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة أو سلاماً من الله أو من الملائكة أو من بعضهم على بعض ويجوز أن يراد باللغو مطلق الكلام قال في القاموس لغا لغواً تكلم، فيكون الاستثناء متصلاً أي: لا يسمعون فيها كلاماً إلا كلاماً يدل على السلامة أو سلاماً من الله أو من الملائكة أو من بعضهم على بعض.
ثالثها: قوله تعالى: ﴿ولهم رزقهم فيها﴾ أي: على ما يتمنونه ويشتهونه على وجه لا بدّ من إتيانه ولا كلفة عليهم فيه ولا منة عليهم به ﴿بكرةً وعشياً﴾ أي: على قدرهما في الدنيا وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبداً وقيل: إنهم يعرفون النهار برفع الحجب والليل بإرخائها، فإن قيل: المقصود من هذه الآيات وصف الجنة بأحوال مستعظمة ووصول الرزق إليهم بكرةً وعشياً ليس من الأمور المستعظمة أجيب بوجهين؛ الأوّل: قال الحسن: أراد الله تعالى أن يرغب كل قوم بما أحبوه في الدنيا فلذلك ذكر أساور الذهب والفضة ولبس الحرير التي كانت عادة العجم والأرائك التي هي الحجال المضروبة على الأسرّة وكانت عادة أشراف اليمن ولا شيء كان أحب إلى العرب من الغداء والعشاء فوعدهم بذلك الثاني أنّ المراد دوام الرزق تقول أنا عند فلان صباحاً ومساءً وبكرةً وعشياً تريد الدوام ولا تقصد الوقتين المعلومين، وقيل: المراد رفاهية العيش وسعة الرزق أي: لهم رزقهم متى شاؤوا، ولما باينت بهذه الأوصاف دار الباطل أشار إلى علوّ رتبتها وما هو سببها بقوله تعالى:
﴿تلك الجنة﴾ بأداة البعد لعلو قدرها وعظم أمرها ﴿التي نورث من عبادنا﴾ أي: نعطي عطاء الإرث الذي لا كدّ فيه ولا استرجاع وتبقى له الجنة كما يبقى للوارث مال الموروث وقيل تنقل تلك المنازل ممن لو أطاع لكانت له إلى عبادنا الذين اتقوا ربهم فجعل النقل إرثاً قاله الحسن ﴿من كان تقياً﴾ أي: المتقين من عباده.
(٥/٢٠٢)
---


الصفحة التالية
Icon