ثم علل جبريل قوله ذلك بقوله: ﴿له ما بين أيدينا﴾ أي: أمامنا من أمور الآخرة ﴿وما خلفنا﴾ أي: من أمور الدنيا ﴿وما بين ذلك﴾ أي: ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة أي: له علم ذلك جميعه وقيل: ما بين ذلك ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة وقيل ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما مضى منها وما بين ذلك مدّة حياتنا وقيل: ما بين أيدينا بعد أن نموت وما خلفنا قبل أن نخلق وما بين ذلك مدّة الحياة وقيل: ما بين أيدينا الأرض إذا أردنا النزول إليها وما خلفنا السماء وما ينزل منها وما بين ذلك الهواء يريد أنّ ذلك كله لله فلا نقدر على شيء إلا بأمره ﴿وما كان ربك﴾ المحسن إليك ﴿نسياً﴾ بمعنى ناسيا أي: تاركاً لك بتأخير الوحي عنك لقوله تعالى: ﴿ما ودّعك ربك وما قلى﴾ (الضحى، ٣)
أي: وما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به وما كان ذلك عن ترك الله تعالى لك وتوديعه إياك ثم استدل على ذلك بقوله:
﴿رب السموات والأرض وما بينهما﴾ فلا يجوز عليه النسيان إذ لا بدّ أن يمسكهما حالاً بعد حال وإلا لبطل الأمر فيهما وفيمن يتصرّف، والآية دالة على أنّ الله تعالى رب لكل شيء حصل بينهما ففعل العبد مخلوق له تعالى لأنّ فعل العبد حاصل بين السماء والأرض
تنبيه: يجوز في رب أن يكون بدلاً من ربك وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: هو رب وقوله تعالى ﴿فاعبده واصطبر لعبادته﴾ خطاب للنبيّ ﷺ مرتب على ما تقدّم أي: لما عرفت أنّ ربك لا ينساك فاعبده بالمراقبة الدائمة على ما ينبغي من مثلك واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفار بك.
(٥/٢٠٥)
---