﴿ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ أي: لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل أي: خفف عن نفسك فقد ورد أنه ﷺ صلى الليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل عليه السلام ابق على نفسك فإنّ لها عليك حقاً ما أنزلناه لتهلك نفسك بالصلاة وتذيقها المشقة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة وروى أنه كان إذا قام من الليل ربط صدره بحبل حتى لا ينام وقيل: لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا: إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك أي: لتتعنى وتتعب وما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك فنزلت، وأصل الشقاء في اللغة العناء وقيل: المعنى أنك لا تلام على كفر قومك، كقوله تعالى: ﴿لست عليهم بمسيطر﴾ (الغاشية، ٢٢)
وقوله تعالى: ﴿وما أنت عليهم بوكيل﴾ (الأنعام، ١٠٧)
(٥/٢٢٨)
---
أي: أنك لا تؤاخذ بذنبهم وقيل: إنّ هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة وكان رسول الله ﷺ في ذلك الوقت مقهوراً تحت ذل الأعداء فكأنه تعالى قال لا تظنّ أنك تبقى أبداً على هذه الحالة بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فإنا ما أنزلنا عليك القرآن لتبقى شقياً فيما بينهم بل لتصير معظماً مكرّماً. وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة وأبو عمرو بين بين وورش بين اللفظين والفتح عنده ضعيف جدّاً، وكذلك جميع رؤوس آي هذه السورة من ذوات الياء وقوله تعالى:
﴿إلا تذكرة﴾ استثناء منقطع أي: لكن أنزلناه تذكرة. قال الزمخشري: فإن قلت هل يجوز أن يكون تذكرة بدلاً من محل لتشقى قلت لا لاختلاف الجنسين ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي إلا فيه بمعنى لكن ﴿لمن يخشى﴾ أي: لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار أو لمن علم الله تعالى منه أن يخشى بالتخويف منه، فإنه المنتفع به وقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon