﴿إنّ الساعة آتية﴾ أي: كائنة ﴿أكاد أخفيها﴾ قال أكثر المفسرين معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها غيري من الخلق وكيف أظهرها لكم ذكر تعالى على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقول الرجل كتمت سري من نفسي أي: أخفيته غاية الإخفاء والله تعالى لا يخفى عليه شيء والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت لأنّ الله تعالى وعد قبول التوبة فإذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت موته فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية فإذا لم يعلم وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت خوف معاجلة الأجل. وقال أبو مسلم: أكاد بمعنى أريد وهو كقوله تعالى: ﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ (يوسف، ٧٦)
ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي: لا أريد أن أفعله وقال الحسن: إن أكاد من الله واجب فمعنى قوله تعالى: أكاد أخفيها أي: أنا أخفيها عن الخلق كقوله تعالى: ﴿عسى أن يكون قريباً﴾ (الإسراء، ٥١)
أي: هو قريب وقيل: أكاد صلة في الكلام والمعنى أنّ الساعة آتية أخفيها. قال زيد الخيل:
*سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه
** فما أن يكاد قرنه يتنفس
أي فما أن يتنفس قرنه وقوله تعالى: ﴿لتجزى كل نفس بما تسعى﴾ أي: تعمل من خير أو شرّ متعلق بآتية، واختلف في المخاطب بقوله تعالى:
﴿فلا يصدّنك﴾ أي: يصرفنك ﴿عنها من لا يؤمن بها﴾ فقيل: وهو الأقرب كما قاله الرازي أنه موسى عليه السلام لأنّ الكلام أجمع خطاب له، وقيل: هو محمد ﷺ واختلف أيضاً في عود هذين الضميرين على وجهين:
(٥/٢٤٠)
---