﴿قال﴾ تعالى له ﴿خذها﴾ أي: بيمينك ﴿ولا تخف﴾ وكان على موسى مدرعة من صوف قد خلها بعيدان فلما قال تعالى له خذها لف طرف المدرعة على يده فأمره الله أن يكشف يده، وذكر بعضهم أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له الملك أرأيت إن أذن الله بما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً قال: لا ولكنني ضعيف ومن ضعف خلقت وكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتيها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ عليها كما قال تعالى: ﴿سنعيدها سيرتها الأولى﴾ وقد أظهر الله تعالى في هذه العصا معجزات لموسى عليه السلام منها انقلاب العصا حية ومنها وضع يده في فمها من غير ضرر ومنها انقلابها خشبة مع الأمارات التي تقدّمت
تنبيه: في نصب سيرتها أوجه:
أحدها: أن تكون منصوبة على الظرف أي: في سيرتها أي: طريقتها:
ثانيها: على البدل من هاء سنعيدها بدل اشتمال لأنّ السيرة الصفة أي: سنعيدها صفتها وشكلها.
ثالثها: على إسقاط الخافض أي: إلى سيرتها وقيل غير ذلك. فإن قيل: لما نودي يا موسى وخص بتلك الكرامات العظيمة وعلم أنه مبعوث من عند الله تعالى إلى الخلق فلماذا خاف؟ أجيب عن ذلك بأوجه أحدها: أنّ ذلك الخوف كان من نفرة الطبع لأنه عليه السلام ما شاهد مثل ذلك قط وهذا معلوم بدلائل العقول ثانيها: إنما خافها لأنه عليه السلام عرف ما لقي آدم عليه السلام منها. ثالثها: أنّ مجرد قوله ولا تخف لا يدل على حصول الخوف كقوله تعالى: ﴿ولا تطع الكافرين﴾ (الأحزاب، ١)
لا يدل على وجود تلك الطاعة لكن قوله: ﴿فلما رآها تهتز كأنها جانّ ولى مدبراً﴾ (النمل، ١٠)
يدل عليه ولكن ذلك الخوف إنما ظهر ليظهر الفرق بينه وبين أفضل الخلق محمد ﷺ فما أظهر الرغبة في الجنة ولا النفرة عن النار وقوله تعالى:
(٥/٢٤٧)
---


الصفحة التالية
Icon