وفي الرابعة قال ههنا: فأتياه، فإن قيل: إنه تعالى أمرهما في الثانية بأن يقولا له قولاً ليناً، وههنا أمرهما بقوله تعالى: ﴿فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل﴾ أي: إلى الشام ﴿ولا تعذبهم﴾ أي: خل عنهم من استعمالك إياهم في أشغالك الشاقة كالحفر والبناء وحمل الثقيل وقطع الصخور وكان فرعون يستعملهم في ذلك مع قتل الأولاد وفي هذا تغليظ من وجوه؛ الأول: قوله: إنا رسولا ربك، وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما وذلك يعظم على الملك المتبوع. الثاني: قولهما: فأرسل معنا بني إسرائيل فيه إدخال النقص على ملكه لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال أيضاً. الثالث: قولهما: ولا تعذبهم. الرابع: قولهما ﴿قد جئناك بآية من ربك﴾ فما الفائدة في التليين أوّلاً والتغليظ ثانياً؟ أجيب: بأنّ الإنسان إذا ظهر لجاجه فلا بدّ له من التغليظ حيث لم ينفع التليين.
فإن قيل: أليس الأولى أن يقول إنا رسولا ربك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم لأن ذكر المعجز مقروناً بالدعاء للرسالة أولى من تأخيره عنه؟.
أجيب: بأنّ هذا أولى لأنهما ذكرا مجموع الدعاوي ثم استدلا على ذلك المجموع بالمعجز وقولهما: قد جئناك بآية من ربك قال الزمخشري: هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي أنا رسولا ربك مجرى البيان والتفسير لأنّ دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتهما التي هي مجيء الآية.
(٥/٢٦٦)
---
فإن قيل: إنّ الله تعالى قد أعطاهما آيتين هما العصا واليد ثم قال تعالى: ﴿اذهب أنت وأخوك بآياتي﴾، وذلك يدل على ثلاث آيات وقالا هنا قد جئناك بآية من ربك وذلك يدل على أنها كانت واحدة فكيف الجمع؟ أجاب القفال: بأنّ معنى الآية الإشارة إلى جنس الآيات كأنهما قالا قد جئناك ببينات من عند الله ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة وتقدّم الجواب عن التثنية والجمع وأنّ في العصا واليد آيات.