ولما كان التقدير: فمن أتى كذلك فقد استعلى عطف عليه قوله: ﴿وقد أفلح اليوم﴾ في هذا الجمع الذي ما اجتمع مثله قط ﴿من استعلى﴾ أي: فاز بالمطلوب من غلب، فلما أتى السحرة موسى.
(٥/٢٧٧)
---
﴿قالوا﴾ له متأدبين؛ لأنّ لين القول مع الخصم إن لم ينفع لم يضر؛ بل نفعهم قال بعضهم: ولذلك رزقهم الله تعالى الإيمان ببركته ﴿يا موسى إما أن تلقي﴾ أي: ما معك مما تناظرنا به أولاً ﴿وإما أن نكون﴾ نحن ﴿أوّل من ألقى﴾ ما معه
(٥/٢٧٨)
---
﴿قال﴾ لهم موسى عليه السلام مقابلاً لأدبهم بأحسن منه، ولأنه فهم أن مرادهم الابتداء، وليكون هو الآخر، فتكون له العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم، فلا يكون بعدها شك لا ألقي أنا أولاً ﴿بل ألقوا﴾ أنتم أولاً، فانتهزوا الفرصة؛ لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تغيير السياق والتصريح بالأول، فألقوا ما معهم من الحبال والعصي ﴿فإذا حبالهم وعصيّهم﴾ أي: التي ألقوها قد فاجأت أنه ﴿يخيل إليه﴾ تخييلاً مبتدأً ﴿من سحرهم﴾ أي: الذي قد فاقوا به أهل الأرض ﴿أنها﴾ لشدة اضطرابها ﴿تسعى﴾ فإن قيل: كيف يجوز أن يقول موسى عليه السلام : بل ألقوا فيأمرهم بما هو سحر أجيب: بأن ذلك الأمر كان مشروطاً، والتقدير: ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين؛ كما في قوله تعالى: ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾، أي: إن كنتم صادقين، وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات، وكانت قد أخذت ميلاً من كل جانب، ورأوا أنها تسعى، وقيل: لطخوها بالزئبق، فلما وقعت عليها الشمس اضطربت، فخيل إليهم أنها تتحرك، وقرأ ابن ذكوان تخيل بالتاء الفوقية على التأنيث، والباقون بالياء على إسناده إلى ضمير الحبال


الصفحة التالية
Icon