﴿قال﴾ لهم: ﴿آمنتم﴾ أي: بالله ﴿له﴾ أي: مصدِّقين أو متبعين لموسى ﴿قبل أن آذن لكم﴾ في ذلك، قال ذلك إيهاماً بأنه سيأذن فيه ليقف الناس عن المبادرة إلى الاتباع بين خوف العقوبة ورجاء الإذن، ثم استأنف قوله معلماً مخيلاً لاتباعه صداً لهم عن الاقتداء بالسحرة ﴿إنه﴾ أي: موسى ﴿لكبيركم﴾ أي: معلمكم ﴿الذي علمكم السحر﴾ أي: فلم تتبعوه لظهور الحق بل لإرادتهم شيئاً من المكر وافقتموه عليه قبل حضوركم في هذا الموطن، وهذا على عادته في تخييل أتباعه بما يوقفهم عن اتباع الحق. ولما خيلهم شرع يزيدهم حيرة بتهديد السحرة، فقال مقسماً ﴿فلأقطعن﴾ أي: بسبب ما فعلتم ﴿أيديكم﴾ على سبيل التوزيع ﴿وأرجلكم﴾ أي: من كل رجل يداً ورجلاً، وقوله: ﴿من خلاف﴾ حال يعني مختلفة، أي: الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى ﴿ولأصلبنكم﴾ وعبر عن الاستعلاء بالظرف إشارة إلى تمكينهم في المصلوب عليه تمكين المظروف في ظرفه، فقال: ﴿في جذوع النخل﴾ تشنيعاً لقتلكم وردعاً لأمثالكم ﴿ولتعلمن أينا﴾ يريد نفسه لعنه الله وموسى عليه السلام بدليل قوله: آمنتم له، واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله؛ كقوله: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، وفيه تبجح باقتداره وقهره، وما ألفه وضري به من تعذيب الناس بأنواع العذاب، وتوضيع لموسى عليه السلام، واستضعاف له مع الهزء به؛ لأن موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء.
(٥/٢٨٣)
---


الصفحة التالية
Icon