تنبيه: قد علم مما تقرر أن والذي معطوف على ما وإنما أخروا ذكر الباري تعالى؛ لأنه من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، وقيل: الواو قسم والموصول مقسم به وجواب القسم محذوف، أي: وحق الذي فطرنا لا نؤثرك على الحق، ولما تسبب عن ذلك أنهم لا يبالون به، وعلموا أن ما يفعله بهم هو بإذن الله تعالى قالوا له: ﴿فاقض﴾ أي: فاصنع في حكمك الذي تمضيه ﴿ما أنت قاض﴾ أي: فاقض الذي أنت قاضيه، ثم عللوا ذلك بقولهم: ﴿إنما تقضي﴾ أي: تصنع بنا ما تريد إن قدّرك الله عليه ﴿هذه الحياة الدنيا﴾ النصب على الاتساع أي: إنما حكمك فيها على الجسد خاصة، فهي ساعة تعقبها راحة، ونحن لا نخاف إلا ممن يحكم على الروح، وإن فني الجسد فذاك هو العذاب الشديد الدائم، ثم عللوا تعظيم الله تعالى، واستهانتهم بفرعون بقولهم:
﴿إنا آمنا بربنا﴾ أي: المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره ﴿ليغفر لنا﴾ من غير نفع يلحقه بالفعل، أو ضرر يدركه بالترك ﴿خطايانا﴾ التي قابلنا بها إحسانه، ثم خصوا بعد العموم فقالوا: ﴿وما أكرهتنا عليه﴾ وبينوا ذلك بقولهم: ﴿من السحر﴾ لنعارض المعجزة، فإنه كان الأكمل لنا عصيانك فيه؛ لأن الله تعالى أحق بأن يتقى.
فإن قيل: كيف قالوا ذلك وقد جاؤوا مختارين يحلفون بعزة فرعون آن لهم الغلبة؟ أجيب: بأنه قد روي أن رؤوساء السحرة كانوا اثنين وسبعين اثنان من القبط والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائماً، وعصاه تحرسه، فقالوا لفرعون: إن الساحر إذا نام بطل سحره، فهذا لا نقدر على معارضته، فأبى عليهم، وأكرههم على المعارضة.
(٥/٢٨٥)
---