وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون وهمزة وصل بعدها من سرى، والباقون بسكون النون، وهمزة قطع بعدها من أسرى لغتان أي أسر ببني إسرائيل من أرض مصر التي لينت قلب فرعون لهم حتى أذن لهم في مسيرهم بعد أن كان قد أبى أن يطلقهم، أو يكف عنهم العذاب فأقصد بهم ناحية بحر القلزم ﴿فاضرب﴾ أي: اجعل ﴿لهم﴾ بالضرب بعصاك ﴿طريقاً في البحر﴾ والمراد بالطريق الجنس، فإنه كان لكل سبط طريق، وقوله ﴿يبساً﴾ صفة لطريق وصف به لما يؤول إليه؛ لأنه لم يكن يبساً إلا بعد أن مرت عليه الصبا، فجففته كما روي، وقيل في الأصل مصدر وصف به مبالغة، وقيل: جمع يابس كخادم وخدم وصف به الواحد مبالغة، فلما امتثل ما أمر به، وأيبس الله تعالى له الأرض، وأراد المرور بها قال الله تعالى له: ﴿لا تخاف دركاً﴾ أي: أن يدركك فرعون ﴿ولا تخشى﴾ غرقاً وقرأ حمزة بجزم الفاء ولا ألف بينها وبين الخاء على أن يكون نهياً مستأنفاً، والباقون برفع الفاء، وألف بينهما وبين الخاء على أنه مستأنف، فلا محل له من الإعراب، أو أنه في محل نصب على الحال من فاعل اضرب، أي: اضرب غير خائف
﴿فاتبعهم فرعون بجنوده﴾ أي: وهو معهم على كثرتهم وعلوّهم، وعزتهم، فكانوا كالتابع الذي لا معنى له بدون متبوعه، والمتبوع بنو إسرائيل، وذلك أن موسى خرج بهم أول الليل، فأخبر فرعون بذلك، فقص أثرهم، والمعنى: فأتبعهم فرعون نفسه ومعه جنوده، فحذف المفعول الثاني، وقيل: إن الباء زائدة ﴿فغشيهم﴾ أي: فرعون وقومه ﴿من اليم﴾ أي: البحر ﴿ما غشيهم﴾ أي: أمر لا تحتمل العقول وصفه، فأهلكهم، وقطع دابرهم، ولم يبق منهم أحداً وما شاك أحداً من عبادنا المستضعفين شوكة
﴿وأضل فرعون قومه﴾ أي: بدعائهم إلى عبادته ﴿وما هدى﴾ أي: ما أرشدهم، وهذا تكذيب لفرعون وتهكم به في قوله: ﴿وما أهديكم إلا سبيل الرشاد﴾ (غافر، ٢٩)
(٥/٢٨٨)
---


الصفحة التالية
Icon