﴿قال﴾ تعالى: ﴿فإنا﴾ أي: تسبب عن عجلتك عنهم أنا ﴿قد فتنا﴾ أي: ابتلينا ﴿قومك من بعدك﴾ أي: بعد فراقك لهم بعبادة العجل، وهم الذين خلفهم مع هارون، وكانوا ستمائة ألف، وما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً ﴿وأضلهم السامري﴾ باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته، فأطاعه بعضهم، وامتنع بعضهم، والسامري منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لهم السامرة، وقيل: كان علجاً من أهل كرمان وقع إلى مصر، وقيل: كان من قوم يعبدون البقر جبران لبني إسرائيل، ولم يكن منهم، واسمه موسى بن ظفر، وكان منافقاً
(٥/٢٩٤)
---
﴿فرجع موسى﴾ لما أخبره ربه بذلك ﴿إلى قومه﴾ بعدما استوفى الأربعين ذا القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، وأخذ التوراة ﴿غضبان﴾ عليهم ﴿أسفاً﴾ أي: حزينا بما فعلوا ﴿قال﴾ أي: لقومه لما رجع إليهم مستعطفاً لهم: ﴿يا قوم﴾ وأنكر عليهم بقوله: ﴿ألم يعدكم ربكم﴾ أي: الذي أحسن إليكم ﴿وعداً حسناً﴾ أي: بأنه ينزل عليكم كتاباً حافظاً، ويكفر عنكم خطاياكم، وينصركم على أعدائكم إلى غير ذلك من إكرامه، ولما جرت العادة بأنّ طول الزمان ناقض للعزائم مغير للعهود كما قال أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري:
*لا أنسينك طال الزمان بنا
** وكم حبيب تمادى عهده فنسى
قال لهم: ﴿أفطال عليكم العهد﴾ أي: زمن لطف الله تعالى بكم، فتغيرتم عما فارقتكم عليه كما تغير أهل الرذائل والانحلال في العزائم لضعف العقول وقلة التدبر ﴿أم أردتم﴾ أي: بالنقض مع قرب العهد، وذكر الميثاق ﴿أن يحل﴾
أي يجب ﴿عليكم﴾ بسبب عبادة العجل ﴿غضب من ربكم﴾ المحسن إليكم، أي: وكلا الامرين لم يكن أما الأول فواضح، وأما الثاني: فلا يظن بأحد إرادته، والحاصل أنه يقول: فعلتم ما لا يفعله عاقل ﴿فأخلفتم﴾ أي: فتسبب عن فعلكم ذلك أن أخلفتم ﴿موعدي﴾ أي: وعدكم إياي بالثبات على الإيمان بالله، والقيام على ما أمركم به، ولما تشوق السامع إلى جوابهم استأنف ذكره، فقال: