(٥/٣٠٥)
---
عليه بالعيان أخبرهم بالحق على وجه الحصر، فقال:
﴿إنما إلهكم الله﴾ أي: الجامع لصفات الكمال، ثم كشف المراد من ذلك، وحققه بقوله: ﴿الذي لا إله إلا هو﴾ أي: لا يصلح لهذا المنصب أحد غيره؛ لأنه ﴿وسع كل شيء﴾ وقوله: ﴿علماً﴾ تمييز محمول على الفاعل، أي: أحاط علمه بكل شيء، فكل شيء إليه مفتقر، وهو غني عن كل شيء، وأما العجل الذي عبدوه، فلا يصلح للإلهية بوجه، ولا في عبادته شيء من حق، ولما شرح الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون أولاً، ثم مع السامري ثانياً على هذا الأسلوب الأعظم والسبيل الأقوم كان كأنه قيل: هل يعاد شيء من القصص على هذا الأسلوب البديع، والمثال الرفيع، فقيل: نعم
﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا القص العالي في هذا النظم العزيز الغالي كقصة موسى ومن ذكر معه ﴿نقص عليك من أنباء﴾ أي: أخبار ﴿ما قد سبق﴾ من الأمم زيادة في علمك وإجلالاً لمقدارك، وتسلية لقلبك، وإذهاباً لحزنك بما اتفق للرسل من قبلك، وتكثيراً لبيناتك، وزيادة في معجزاتك، وليعتبر السامع ويزداد المستبصر في دينه بصيرة، وتتأكد الحجة على من عاند وكابر ﴿وقد أتيناك﴾ أي: أعطيناك تشريفاً لك وتعظيماً لقدرك ﴿من لدنا﴾ أي: من عندنا ﴿ذكراً﴾ أي: كتاباً هو القرآن وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه أحدها: أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم، وثانيها: أنه يذكر فيه أنواع آلاء الله ونعمائه، وفيه التذكير والموعظة، وثالثها: فيه الذكر والشرف لك ولقومك كما قال الله تعالى: وإنه لذكر لك ولقومك، وسمى الله تعالى كل كتاب أنزله ذكراً فقال: ﴿فاسألوا أهل الذكر﴾، والتنتكير فيه للتعظيم، فإنه مشتمل على أسرار كتب الله تعالى المنزلة
﴿من أعرض عنه﴾ فلم يؤمن به ﴿فإنه يحمل يوم القيامة وزراً﴾ أي: حملاً ثقيلاً من الإثم
(٥/٣٠٦)
---