﴿عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة﴾ (سبأ، ٣)، وقرأ حفص وحمزة والكسائي قال بصيغة الماضي بالإخبار عن الرسول والباقون قل بصيغة الأمر، ثم إنه تعالى بيّن أنّ المشركين اقتسموا القول في النبي ﷺ وفيما يقوله بقوله تعالى:
﴿بل قالوا﴾ أي: قال بعضهم هذا الذي قال لكم: ﴿أضغاث أحلام﴾ أي: أخلاط أحلام رآها في النوم، وقال بعضهم: ﴿بل افتراه﴾ أي: اختلقه من عند نفسه، ونسبه إلى الله تعالى، وقال بعضهم: ﴿بل هو﴾ أي: النبي ﷺ ﴿شاعر﴾ فما جاءكم به شعر، والشاعر يخيل ما لا حقيقة له لغيره، أو أنهم كلهم أضربوا عن قولهم: هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام، ثم إلى أنه كلام مفترى من عنده، ثم إلى أنه قول شاعر، وهكذا المبطل متحير رجاع غير ثابت على قول واحد؛ قال الزمخشري: ويجوز أن يكون تنزيلاً من الله تعالى لأقوالهم في درج الفساد، وأن قولهم الثاني أفسد من الأول، والثالث أفسد من الثاني، وكذا الرابع أفسد من الثالث، ثم إنهم لما قدحوا في أعظم المعجزات طلبوا آية غيره، فقالوا: ﴿فليأتنا﴾ دليلاً على رسالته ﴿بآية كما﴾ أي: مثل ما ﴿أرسل الأولون﴾ بالآيات كتسبيح الجبال وتسخير الريح وتفجير الماء، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص وصحة التشبيه من حيث إن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية قال الله تعالى مجيباً لهم:
﴿ما آمنت قبلهم﴾ أي: قبل مشركي مكة ﴿من قرية﴾ أي: من أهل قرية أتتهم الآيات ﴿أهلكناها﴾ باقتراح الآيات لما جاءتهم ﴿أفهم يؤمنون﴾ أي: لو جئتهم بها وهم أغنى منهم، وفيه دليل على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم إذ لو أتى به لم يؤمنوا، واستوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم، ولما بيّن تعالى بطلان ما اقترحوا به في رسوله ﷺ بكونه بشراً قال تعالى عاطفاً على آمنت مجيباً عن قولهم: ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾
(٥/٣٣٨)
---