﴿لقد أنزلنا إليكم﴾ يا معشر قريش ﴿كتاباً﴾ أي: القرآن ﴿فيه ذكركم﴾ أي: شرفكم ووصيتكم كما قال تعالى: وإنه لذكر لك ولقومك، أو فيه مكارم الأخلاق التي كنتم تطلبون بها الثناء وحسن الذكر كحسن الجوار والوفاء بالعهد ودق الحديث وأداء الأمانة والسخاء وما أشبه ذلك، وقيل: فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم، أو لأنه نزل بلغتكم، وقيل: فيه تذكرة لكم لتحذروا، فيكون الذكر بمعنى الوعد والوعيد ﴿أفلا تعقلون﴾ فتؤمنوا به، وفي ذلك حث على التدبر؛ لأن الخوف من لوازم العقل
﴿وكم قصمنا﴾ أي: أهلكنا ﴿من قرية﴾ أي: أهلها بغضب شديد؛ لأن القصم أفظع الكسر، وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم، وقوله تعالى: ﴿كانت ظالمة﴾ أي: كافرة صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامها، ثم بيّن الغنى عنها بقوله تعالى: ﴿وأنشأنا بعدها﴾ أي: بعد إهلاك أهلها ﴿قوماً آخرين﴾ مكانهم، ثم بيّن حالها عند إحلال البأس بها بقوله تعالى:
(٥/٣٤١)
---
﴿فلما أحسوا﴾ أي: أدرك أهلها بحواسهم ﴿بأسنا﴾ أي: عذابنا ﴿إذا هم منا﴾ أي: القرية ﴿يركضون﴾ هاربين منها مسرعين راكضين دوابهم لما أدركتهم مقدّمة العذاب والركض ضربة الدابة بالرجل، ومنه اركض برجلك، أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم بعد تجبرهم على الرسل، وقولهم لهم: لنخرجنكم من أرضنا، أو لتعودن في ملتنا، فناداهم لسان الحال تقريعاً وتشنيعاً لحالهم